آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : النمرود

سعيد عفلفل

نقف هنا عند شخصية ملأت الدنيا و شغلت الناس في وقتها. شخصية تحدث عنها شعراء الملحون كما تحدث عنها الرواة و المؤرخون. إنها شخصية نمرود. جاء ذكر النمرود في قصائد الملحون في سياق الحديث عن استحالة دوام الجاه و القوة و النفوذ و الجبروت. إذ يؤكد شعراء الملحون أن مآل كل جبار، عاث و ظالم هو الزوال و الفناء وأن الصلحاء تخلدهم أفعالهم و أعمالهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قبل الخوض في سيرة نمرود، نعرج على الملحون و نستشهد بأبيات من قصائد ذكرت فيها هذه الشخصية. في قصيدة كل نور من نور الهاشمي كمل يقول مبارك السوسي :
” يا غافل رد البال * واين دوك الجهال، واين الدقيوس و مالو * واين كسرى واين شداد من جْهْل * واين النمرود من زمام الجهالة * غروه و غواه بالمزاح نبالي.”
ويقول العربي المكناسي في قصيدة البلا فالخلطة:
” واين قيس و كسرى و النمرود * ملكوا كثير من اموال لا تتنعدا* سكنوا تحت اللحود فالظلمة و الدود * قهرات لاَّ ينال مثيلها حد. ”
كان نمرود من ملوك و جبابرة الأرض بل هو أولهم. يختلف المؤرخون و الباحثون و المفسرون في نسب نمرود إلا أنهم يتفقون على أنه من سلالة النبي نوح كان حكمه سائدا إبان حياة نبي الله إبراهيم. يتفق كل من الطبري و ابن الأثير و القلقشندي و آخرون على أنه نمرود بن كنعان بن كوش بن حام بن نوح. كان ملكا على شنعار و هي أرض ما بين النهرين. كان جبارا عتا و أفسد في الأرض ر ادعى الربوبية. هو أول من وضع التاج فوق رأسه. ذكر في الكتب الدينية كالتوراة و الإنجيل. ولو أن القرآن لم يذكره باسمه إلا أن هناك إشارات تدل على أن المناظرة التي وقعت بين النبي ابراهيم و احد الملوك الكافرين، تحيل إلى نمرود نفسه. ( سورة الأنبياء آية 68 و سورة البقرة آية 258).
كما اوردت كتب التاريخ و السير في ثقافات أخرى إسم النمرود. فنجده مذكورا في الثقافة الأرمينية، كما صوره دانتي أليغري في الكوميديا الإلهية في القرن 14 الميلادي على هيأة عملاق قابع في الجحيم يتعرض للعقاب الإلهي. و ربط بعض المؤرخين شخصية النمرود بشخصية جلجامش السومرية في الملحمة الأسطورية الشهيرة.
تحكي الروايات أن النمرود رأى حلما بأن كوكبا في السماء ظهر على حين غرة و أخفى الشمس. فسر له مساعدوه الحلم بأن طفلا سيولد في نفس العام و سيقضي على حكمه و ملكه، فأمر بقتل كل طفل يولد ذلك اليوم. كان من بين المواليد الجدد ذاك اليوم نبي الله إبراهيم الذي أخفته أمه و نجا من مجزرة النمرود. حين كبر إبراهيم تمرد على عبادة الأصنام و دعا قومه للكف عن عبادتها و عبادة النمرود فلم يستجب له أحد.
خلال احتفال أهل القرية بعيد لهم، خرجوا إلى ضاحية القرية فاستغل ابراهيم الفرصة و هدم كل أصنامهم لما علم النمرود بالأمر قرر القضاء على ابراهيم وذلك برميه في النار، لكن الله أنجاه بأن كانت النار برداً و سلاما عليه.
تحكي الروايات على أن النمرود هو من بنى برج بابل في بلاد الرافدين، و ينسب له أيضاً بناء َمدينة “كالجو” أو أشوريا جنوب الموصل بالعراق. ( مدينة نمرود الأثرية).
يحكى أن نمرود عمر طويلا إذ عاش زهاء 400 سنة. في إحدى حروبه جمع جيشه و جنده وقت شروق الشمس فأرسل الله عليهم سربا عظيماً من البعوض غطى عين الشمس أخذت البعوض تنهش لحومهم و تمتص دماءهم حتى تركتهم عظاما. و دخلت واحدة من البعوض في منخر النمرود علقت بدماغه. كلما تحركت البعوضة يصاب النمرود بالعذاب و يهوى على رأسه بالضرب. بقي على هذه الحال من العذاب حتى هلك.