آخر الأخبار

الشخصيات التراثية في الملحون : الشنفرى

سعيد عفلفل

ورد إسم هذه الشخصية العربية ذائعة الصيت في قصيدة من الملحون المعاصر للشاعر المجدد محمد الگزولي ؛ قصيدة “رباط الخيل” التي يتحدث الشاعر من خلالها عن الخيول و خاصياتها. تقول حربة القصيدة :
” شوف الخيول آصاح و متع البصر ** بالْوان تلوح بالبها للنّظارة ** سبحان الخالق الجليل الباري.”
والواقع أن قصيدة “رباط الخيل” قصيدة جميلة، فريدة، متفردة في الموضوع الذي بسطه الشاعر. القصيدة من ألفها حتى يائها تتحدث عن الخيل و الخيل فقط. وهذا ليس غريبا عن الشاعر محمد الگزولي، الفارس العارف بعوالم الخيل و أسرارها. ومن حبه و عشقه للخيل نظم محمد الگزولي عشرات القصائد كلها تحكي عن الخيل و مميزاتها. يقول في نفس القصيدة :
” نظمت فالخيل عداد ميا اولاّ كثر ** لما نهنى بقربها كل مزارا ** ينبع لقريض بالسجية جاري.”
و لنا عودة لهذه القصيدة لنقف عندها في قراءة مستفيضة لما تحتفل به من أسرار حول الخيل.
بالعودة إلى شخصية الحلقة “الشنفرى”، ذكره الشاعر الگزولي في معرض حديثه عن حبه للخيل و عشقه لها و تشبته بها مدى الحياة. يقول محمد الگزولي :
” عملت فالخيل مثيل “التابث” الأشهر **” ابن أواس” بالكنية” شنفارى”** رصع لوحيش فالخلا و قفاري.”
و الشنفرى هذا هو شاعر جاهلي من صعاليك العرب أو من الشعراء الصعاليك و من بينهم : تأبط شراً ( واسمه تابث بن جابر) و السليك بن السليكة و عروة بن الورد و جابر بن عوف الأزدي و قيس الخزعي.
الشنفرى هو تابث بن أواس الحجر بن الهنوء الأزدي شاعر جاهلي من الطبقة الثانية من الشعراء. نشأ الشنفرى في قبيلة فَهْم العدنانية و هي قبيلة أمه بعد مقتل أبيه على يد أفراد من قبيلة سُلامان بن مُفرّج. أما قبيلة الشنفرى فهي قبيلة الأزد اليمنية. سمي بالشنفرى لأنه كان غليظ الشفاه. و لعل دماء حبشية تجري في عروقه. مات الشنفرى قبل الهجرة النبوية بحوالي سبعين سنة.
اشتهر الشنفرى بقصيدته “لامية العرب” ، وهي من أشهر القصائد التي تصور لنا الحياة البدوية في الفترة الجاهلية و عشق الشاعر للصحراء و ولعه بالخيل و توقه للحرية و للتمرد. كان الخلفاء الأمويون و العباسيون لا يريدون لأبنائهم أن يحفظوا لامية الشنفرى لأنها تشجع على هجرة القبيلة و للتمرد على الأهل. و على العكس من هذا كله كان عمر بن الخطاب يحث على حفظ قصيدة لامية العرب إذ كان يقول : ” علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق.” يقول الشنفرى في مطلع لامية العرب :
” أقيموا بني أُمِْي صدور مَطِيِّكُم ** فإني إلى قومٍ سواكم لأَمْيَلُ
فقد حُمٌّتِ الحاجات و الليل مقمرٌ ** و شُدَّت لِطَيَْاتٍ مطايا و أرحلُ”
يحكى أن الشنفرى كان سريع الجري، حيث إن الخيل لا تدركه، و ان قفزاته قيست و كانت الواحدة منها تقرب من عشرين خطوة. قال العَمرَوي في هذا الصدد:” إن الشنفرى كان يذهب من تنومة إلى مكة في ظرف ثمان ساعات، فلم تعرف العرب أسرع من عَدْوِهِ. ” لذا قيل :” أعدى من الشنفرى.”
عاش الشنفرى حياة الصعاليك في البراري و الجبال و الوديان، يغزو و يسلب و يقتل. و قد قيل إنه قتل من قبيلة سُلامان تسعة و تسعين رجلا. نصبت قبيلة سُلامان فخا للشنفرى و أمسكوا به و قتلوه ثم صلبوه لمدة طويلة حتى سقطت جمجمته أرضا. فمر رجل من بني سلامان و ركل جمجمة الشنفرى فأصابته عظمة من عظام الجمجمة وأصابته بالحمى حتى مات. و بذلك بلغ الذين قتلهم الشنفرى من قبيلة سُلامان مائة رجل بحيث أوفى بالوعد الذي قطعه على نفسه بقتل مائة رجل منهم جراء استعبادهم له.