آخر الأخبار

الحكومة الاجتماعية الوحيدة في تاريخ المغرب

هي الحكومة الاجتماعية الوحيدة في تاريخ المغرب فعلا. من يستطيع تكذيبه. واليكم مجموعة من الدلائل.
لم توجد حكومة في تاريخ المغرب ارتهن قرارها، كما يعري ذلك مشروع قانون المالية للسنة القادمة، بالتزاماتها اتجاه صندوق الدولي والاتحاد الاوروبي مثلما ارتهن قرار هذه الحكومة، حيث كانت اهداف المشروع محكومة بالاهداف الواردة في رسالة الالتزام التي بعثتها لصندوق النقد الدولي من اجل تجديد خط الائتمان الوهمي الذي استعملنا كفار تجارب لتجريبه مند 2012، اي مند دخول الاسلاميين للحكومة، والذي يمثل صيغة محينة لبرامج التقويم الهيكلي لايترتب عليها بعث خبراء الصندوق للاستقرار في وزارة المالية وبنك المغرب. فالتحكم في العجز الميزاني وعجز الحساب الجاري لميزان الاداءات يظل الهدف الرئيسي ثم ياتي الباقي ان تبقى، ولذلك فالارقام المتعلقة بالنفقات المعلن عنها والتي يناقشها البرلمانيون، وفضلا عن طابعها التوقعي في وقت تعجز الحكومة عن توقع ما سيطرا خلال ثلاثة اشهر، تبقى مجرد ارقام ضعيفة الدلالة في الواقع، فما يبرمج لاينفذ بشكل كامل باستثناء مخصصات مرتبات الموظفين والتعويضات التي يحصل عليها البعض، ومنهم الوزراء وكبار الموظفين وغيرهم، ولعل الارقام المتعلقة بالاستثمار دليل على ذلك، اذ تنفذ في حدود 60% فقط، وما ينفذ يخترقه في حالات كثيرة فساد يجعل كلفة عدد من الصفقات باهضة بالنسبة للمالية العمومية والمجتمع.
ولو طرا اي طارئ يدفع الى مراجعة تلك الارقام داخل السنة المالية، فان وزير المالية والموظفين الكبار الذين يشاركونه القرار يتصرفون في التفويض البرلماني باستهانة تامة ولا يعودون الى البرلمان بعرض قانون تعديلي لقانون المالية كما يقضي بذلك الدستور والقانون ومقتضيات دولة القانون واصول اللعبة الديمقراطية. ومن المؤسف جدا ان البرلمان لايتتبع تنفيذ تفويضه ولا يولي اهتماما، ولا يملك المعرفة والخبرة اللازمة، لقانون التصفية الذي لم يعد يتاخر سنوات كما كان عليه الامر من قبل.
ومقابل اهمال البرلمان، فان الحكومة تظل حريصة على ان لايخاصمها صندوق النقد الدولي الذي يراقبها دوريا برسم الخط الائتماني (خط الوقاية والسيولة LPL) والفصل السابع من قانون الصندوق، حتى ولو رمت الى صندوق المهملات بما صادق عليه البرلمان واستعملت التفويض البرلماني بشكل مبالغ فيه عبر مراسيم تتم المصادقة عليها بعديا في اطار قانون مالية ولا يمكن الغاؤها او تعديلها، وعبرها تمرر المصالح الطاغية الكثير من القرارات التي تخدم مصالها. هنا يثار اشكال سيادية القرارالذي يثيره البعض تخويفا وتجديفا. ذلك ان التدبير الفعلي للميزانية كما يباشره مدراء اقوى من الحكومة، ويتلقون تعويضات لايحصل عليها اي من الوزراء عدا وزير المالية، تحكمه الاهداف المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي وليس مع البرلمان او مع المغاربة، خارج الفئة النافذة التي تجد ضالتها في التوجه النيوليبرالي الذي يدفع اليه صندوق النقد.
واذا انتقلنا من النفقات الى الضرائب، فان مشروع قانون المالية تجاوب مع الضغط الذي مارسه الاتحاد الاوروبي لاخراج المغرب مما يسمى بالائحة الرمادية، وذلك باتخاذ اجراءات ضريبية تتعلق بالمناطق الحرة والمناطق الحرة للتصدير والاوفشورينغ، مع معرفتها بان من شان ذلك ان يؤثر على اختيار عدد من الاستثمارات الخارجية للمغرب، وبان الاوروبيين يناقضون اليوم انفسهم على هذا المستوى، اذ كانوا في وقت سابق يشجعون على عكس مايطلبونه اليوم ويفرضون اليوم ما يعتقدون انه يخدمهم للخروج من ازماتهم المتعددة،
وعدا ذلك استغل النافذون مشروع قانون المالية لنيل هدايا ضريبية ضخمة ترفع ثرواثهم وتضخمها، وتجعلهم يحصرون اثر النمو في مستوى معيشتهم وليس مستوى معيشة جميع المغاربة، فالتخفيض الجديد للضريبة على الشركات، التي تعتبر ضريبة دخل في الحقيقة، يدخل في اطار الطغيان والاستبداد ولاعلاقة له، كما تاكد بالتجربة وبالدراسات الميدانية، باحداث مناصب الشغل كما يجري الادعاء ولا بالاستثمارايضا. وزادت الحكومة على ذلك بان مررت عفوا ضريبيا، في اقل من عشر سنوات على اخر عفو ضريبي، مزكية بذلك واقع الغش والتملص الضريبيين وضعف وعي المواطنة واحترام القانون. وسيكون اكبر المستفيدين هم الحيثان الكبيرة، ومنهم كبار الموزعين والوسطاء الذين كانوا قد استعملوا التجار الصغار استعمالا خبيثا وساند خبثهم ذاك بديماغوجية رديئة عزيز اخنوش الوزير في الحكومة الذي كان يعرف جيدا ان التجار الصغار غير معنيين بالاجراء الضريبي موضوع الاحتجاج.
وتمادت الحكومة باقرار عفو جديد على مهربي الاموال، والمعنيون بالعفو هم مصدرون ومستوردون ومتعاملون يتحايلون للتوفر على حسابات ضخمة في الخارج والتحرر من القانون ومراقبة مكتب الصرف وليس مهربي المخدرات كما يعتقد ويروج، لان هناك مراقبة دولية قوية لاصول الاموال ولتبييضها، وكان المغرب قد وضع قانونا لمحاربة تبييض الاموال تحت ضغط المنظمة الدولية المختصة GAFI وعدل قانون الارهاب في نفس الاطار، وهذا ما يبين ان تجار الممنوعات لايمكن ان يكونوا مستفيدين والا تم وضع المغرب من جديد في اللائحة السوداء للمنظمة الدولية سالفة الذكر بعدما عمل على الخروج منها.
هكذا يتبين ان ميزانية الدولة كما هي اجتماعية فعلا، لكن اجتماعيتها تقتصر على الفئات العليا التي تفرض مصالحها على القرار العمومي ولا تهم المجتمع في رمته، ولاتعني الفئات الاكثر فقرا وهشاشة داخله التي ينقل اليها العبء الضريبي بواسطة الضريبة على القيمة المضافة التي تخضع لمراجعة مند حكومة بنكيران في اتجاه الضغط على استهلاك المواطنين، والضغط على الاستهلاك بات من ثوابث السياسة المالية للحكومات امتدادا لمنطق التقويم الهيكلي ال مترسخ مند ثمانينات القرن الماضي، وهو منطق يناسب النافذين المسيطرين على الثروة والقرار. والصناديق التي يتم الحديث عنها فيما يتعلق بالنفقات، كصندوق التكافل والارامل والمطلقات…، كلها در للرماد في العيون، لان الاستفادة منها كما تبين التجربة تبقى محدودة لاسباب متعددة، ومنها افلاس الادارة المغربية، وهي تمثل في النهاية مقاربة فاشلة، بحسب التجارب العالمية المقارنة، لمحاربة الفقر، لانها لاتخرج منه ولاتحد من انتشاره، وهي مقاربة تتجنب، او تتستر، على المشكلة الحقيقية المثمثلة في الفوارق الاجتماعية الناتجة عن تركيز الثروة في ايدي قلة تجمع الثروة والسلطة معا. فالدولة تخدم الغنى والاغنياء ولا تحارب الفقر، والحقيقة ماثلة للعيان.
يبدو انه قيل للفقيه العثماني قل فقال، وربما لايعرف مايقوله. ولايعرف ان النسب المائوية والارقام المطلقة التي يسوقها هي ارقام على الورق والتحكم في مالاتها ينفلت منه بالرغم من انه مسؤول نظريا عن تنسيق السياسة الاقتصادية وكل السياسات العمومية. والدستور يتيح له ذلك. فاقد الشئ لايعطيه.

محمد نجيب كومينة / الرباط