آخر الأخبار

التلفزة المغربية و مهنة الصحافة

حسب ما تعلمته في المعهد العالي للصحافة وما تعلمته من مختلف الكراسات والكتب المخصصة لاصول مهنة الصحافي، فان مهمة الصحافي لاتتمثل في الاشهار الذاتي (هانا شوفوني كنطير مع اطيور)، لان مثل هذا التصرف يدخل في اطار ما يمكن نعثه ب”الخفة المهنية”، وانما في السعي الى الحصول على معلومة وتحويلها الى خبر او ادراجها في تحقيق او جنس صحفي اخر، او ،في حال اجراء حوار، في الحرص على طرح السؤال الذكي والدقيق للوصول الى المعلومة/الخبر وليس التحول الى خصم للشخص المستجوب، كيفما كان موقعه، ومقارعة رايه او استغلال نفوذ توفره له مؤسسته ا وشخصه لممارسة اي نوع من الضغط عليه بهدف هزمه او الاساءة اليه، لانه لوتجاوز دوره، سيكون قد اخل ليس فقط بالقواعد الاولية لمهنته كما هو متعارف عليها عالميا.ذلك ان تعبير الصحفي عن الراي او الموقف بحرية له اجناسه التي لاعلاقة لها بالاخبار، من قبيل الافتتاحية او المقال، وفي هذا المستوى له حق ممارسة حريته. لكنه يبدو ان التلفزيون، الذي تطور عندنا تطورا منحرفا، يصيب احيانا بمرض النرجسية ويوصل الى الحمق كما كتب الصحفي الكبير برونو مازور بعد تجر بته في القناة الثانية الفرنسية انذاك La télé rend fou
َمحاورو رئيس الحكومة اليوم اظهروا كثيرا من الخفة وكا ن بينا في الغالب، اذا تم استثناء العبيدي الذي بدا خجولا، ان الصحفيين كانوا مهووسين بذاتهم وباظهار قدرتهم على المجادلة والثرثرة . اذ كانت اسئلتهم عائمة وعمومية حد اللامسؤولية،اكثر مما كانوا مهتمين بالحصول على اجوبة دقيقة وواضحة من رئيس الحكومة، ولذلك كان الحوار فاشلا في بلوغ الغاية منه وربما صب الزيت على نار مفروض اطفاؤها وليس العكس، لان متتبعه قد يخرج بخلاصة كارثية، اتمنى ان لاتكون خلاصة الجميع، مفادها ان رئيس الحكومة لايعلم او انه يتستر على معلومات. ومن حسن الحظ ان هناك مصادر اخرى للمعلومة بشكل يومي.
والبين ان الصحفيين لم يتم تهيئهم لممارسة مهنتهم في ظرف ازمة من حجم الازمة التي يمر بها العالم. لان المطلوب في اي حوار مع اي مسؤول في هذه الظرفية الحرجة والمشحونة بالخوف، بله الرعب احيانا، هواولا الوصول الى عدد الاصابات الفعلية وقت اجراء الحوار، وعدد المشكوك في كونهم مصابين والخاضعين للمراقبة الطبية، كي تكون الصورة واضحة لكافة المواطنين وليس للصحفيين، فالصحفي لايبحث عن الخبر لنفسه والمؤسسات المشغلة لم تشغله من اجل ذاته، وثانيا توقعات الحكومة في ضوء ماتتوفر عليه من معطيات وما اجرته من استشارات مع ذوي الاختصاص بشان وصول كورونا الى وباء او جائحة، ثم عن القرارات والاستعدادات والقدرات والاجراءات في وصول الامر الى حالة وبائية. ومن المفروض ان يكون الصحفيون واعين ان المواطنين يتوفرون على المعطيات الرسمية المحينة التي يتابعونها عبر هواتفهم الذكية وغيرها ولا مجال للسعي لسبق على هذا المستوى، بل ولا مجال حتى للسعي للحصول عليه في ظروف الازمة القائمة، ولذلك، فالاولوية بالخصوص
لملء الفراغ بالخبر المؤكد وطمانة المواطنين والتصدي للاشاعة والخبر الكاذب اللذان يؤججان الرعب ويدفعان الى تصرفات لاعقلانية من قبيل التبضع الجنوني ووضع حد لغوغائية البعض.
اعلام الازمة يجب ان يكون مسؤولا ودقيقا ومتكيفا بشكل يومي تقريبا مع المستجدات والمتغيرات والصحفي مطالب بان يعي انه لايمارس مهنته في ظروف عادية يمكن التغاضي فيها عن الخطا او التجاوز او الذاتية المفرطة، لان الخطا في هذه الحالة قد تكون له اثار غير محمودة، بل وحتى كارثية. فالمواطن في حاجة الى من يرافقه لتخفيف الضغط النفسي والخوف على نفسه وعلى اسرته وعلى بلده، اذا كانت مواطنته حاضرة بقوة، ويساعده على احسان الاختيار وتحاشي الانزلاقات اللاعقلانية، ويحميه من الاشاعات التي قد تصدر عن حمقى او متهورين او حتى عن جهات لاتريد بالمغرب والمغاربة خيرا.
في مثل هذه الظرفية لانحتاج فقط الى مسؤولين سياسيين يحسنون الاختيار والتدبير ويمتلكون القدرة على اتخاذ القرار السديد في الوقت المناسب، اي بلا تلكؤ او تاخير، وعلى السهر على تنفيذه في ارض الواقع وجعل الادارات تتحرك بفعالية وكفاءة وتتجاوز عاداتها السيئة، بل وايضا اعلاما قادرا على لعب دوره بمهنية وكفاءة واستعداد حقيقي، معرفيا ونفسيا وسياسيا، لممارسة تتلاءم ووضع ازمة خطيرة تمس الحياة.
لقد كان الحوار مع رئيس الحكومة فرصة ضائعة، اضاعتها الخفة المهنية وتوجس العثماني مما بدا له انه محاولة للاحراج او لجره الى الخطا، ولذلك يحتاج المغاربة الى حوارات مع كل من يعنيهم تدبير الازمة، وهذا ما لايجب ان ينقطع حتى لايبقى هناك فراغ يمكن ان يملاه الغوغائيون ومحترفو الصيد في الماء العكر والذين قد لايتخلون عما الفوه حتى في هذه الظروف.
والامل في تتجاوز بلادنا هذه المرحلة باقل الخسائر البشرية وان ينجح العلماء في انقاذ البشرية من هذا الكائن الميكروسكوبي الذي قد يخرب الحضارة البشرية ويلحق اضرارا جسيمة بالانسان في حال عدم النجاح في التصدي له في اقرب وقت.

محمد نجيب كومينة / الرباط