آخر الأخبار

الإبداع الثقافي و ثقافة إنكار المبدع 

إدريس الاندلسي 

الإبداع الثقافي و ثقافة إنكار المبدع،  ادكار موران يعترف لفوزي الصقلي. 

كثير من المثقفين و كثير من محبي الإبداع الموسيقي العتيق و الصوفي و المعجبين بإعادة رسم الجمال بالرقص و الشعر و الأداء المسرحي و التعبير الموسيقي اعترفوا أن من أعاد تحبيب هذا الشغف و جمع حوله الكثير من العشاق للفكر من مغاربة و أجانب و ألف بين القلوب و العقول حول مشروع كبير و عالمي هو الدكتور و الباحث و المثقف العضوي فوزي الصقلي. و كل هذا عبر جهد جهيد امتزج بكثير من التواضع.

وجدت نفسي مخلا بواجبي نحو هذا الرجل بعدما قرأت ما كتبه عنه” ادكار موران” حكيم المفكرين و فلاسفة اليوم و صديق الشباب و الشجاع في التعبير عن أفكاره بكثير من العمق و البساطة. هذا المفكر عرف فوزي الصقلي عن قرب و علم صعوبة الأمواج التي ركبها و وعورة المسالك التي تجاوزها و قساوة الطقس المحيط برحلة الإبداع. لعل روح فريد الدين العطار و من شاركوا في رحلة حملتها سطور “منطق الطير ” كانت تبعث بسلام إلى فوزي الصقلي و هو يغامر صحبة فنانين عالميين و مغاربة لصناعة فرجة عميقة المرامي. قال “ادكار موران” أنه يحمل الكثير من التقدير الممزوج بالإعجاب لفوزي الصقلي على خلقه و تنظيمه لمهرجان الثقافة الصوفية و للندوة التي كانت تجمع مفكرين من مختلف الثقافات تحت شجرة ألفية الميلاد تظلل المجتهدين المنفتحين على قيم الإنسانية التي تبني.

قال “ادكار موران” بكثير من العرفان أنه منذ أن تعرف على مبدع مهرجان فاس خلال لقاءات فكرية منذ سنة 1997 إلى اليوم و هو يعيش لحظات فكرية بتأثر كبير و روحية بالمعنى المباشر للكلمة. هذا اللقاء الذي يحدث نوعا من التلاقي الروحي العميق المشبع بمساحاته الروحية و الفنية. إن التقاء قيم الجمال بالعدل و بقيم منفتحة على الآخر كثقافة و دين و رؤى هي التي خلقت الأندلس كتاريخ و كواقع و كتسامح. و هي التي تنبعث من روح مدينة فاس في إطار لقاءات تتوجه لمواجهة واقع مليء بفضاءات سوء الفهم. و بكثير من الصدق توجه المفكر الكبير ادكار موران إلى فوزي الصقلي بكلمة عميقة يقول فيها : “لقد قمت يا عزيزي فوزي بمهمة تنزيل مشاريعك الثقافية و الفنية بكثير من النزاهة و الاستقامة التي يعترف لك الجميع بها. و أنا من اؤلئك الذين يرون أنه من الواجب أن يستمر هذا العمل الفكري الكبير وهم كثر. استمرار لكي تستمر ثمراته ليس في المغرب فقط بل في العالم”. هذه شذرات من رسالة حاولت إبراز محاورها الأساسية.

رافقت لبضع سنوات مهرجان فاس للثقافة الصوفية و ندوته الشهيرة و حاولت كتابة ذررها في مجلة شالانج التي رافقت جهود فوزي الصقلي. الأكثر من هذا أن أحد محبي الثقافة الصوفية من وجهاء ألمانيا حمل فوزي الصقلي مسؤولية تنظيم دورة لمهرجان فاس في برلين. و تم التنظيم في مناطق تاريخية لهذه المدينة و اختتم في متحفها العالمي بكل المقاييس و كان الحضور متميزا و كبيرا . شارك مفكرون و فنانون من بلدان كثيرة و كان فوزي الصقلي في مركز الإشراف الفني و الثقافي و كم له من أحباء من فاس ودكار و باريس و قونيا و غيرها من مدن العالم. حري بنا أن نؤكد على ثقافة الإعتراف و أن نقول بأعلى صوت أن لكل مجتهد نصيب من كل شيء و خصوصا من التكريم و صيانة هبة الثقافة المغربية الأصيلة و من يعملون على أن يصل اشعاعها إلى كل الآفاق. عشت صعوبات الإعداد و التنظيم و مراعاة الطقوس و إحترام الموسيقيين و ضعف الإمكانيات عن قرب. كان المفكر و الباحث محمد الناجي من بناة مهرجان الموسيقى الكلاسيكية بالصويرة أو ما يسمى بربيع رياح الاليزي و مهرجان اندلسيات اطلسية و هو الذي ساهم في تأسيس مهرجان موازين، كان يكافح لإنجاح عمل فني يهدف إلى خلق مجال للإبداع و التربية الفنية . و رغم حبه و نكران ذاته و تضحياته انسحب بهدوء ليغني المكتبة المغربية بكتبة القيمة و الجميلة التي ترجم بعضها إلى عدة لغات. و لكن الإرادة الفردية مهما كانت قوتها لا يمكن أن تقوم بعمل المؤسسات. و المعنى الحقيقي للمؤسسة في مجال الثقافة و الفن ليس مراقبة المبدع و محاسبته على أشياء لا تهمه و ليس إرهاقه بالمساطر الإدارية و الضريبية و المحاسباتية. و لكن اعطاؤه وسائل العمل الثقافي و محاسبته على نجاحه أو اخفاقه. اليوم الإدارة و المؤسسات تدمر من حيث لا تدري مبادرات التنمية الثقافية و الفنية. إذا تم تخصيص ميزانية للعمل الثقافي فمن العيب حصر المراقبة في وثائق المصاريف و نسيان وثائق نجاح العمل الثقافي و الفني. فوزي الصقلي كغيره من المناضلين في هذا الحقل يجب أن ندعمهم و نحميهم و نمنحهم نصيب المجتهد. كثير من مسؤولينا يهبون الهدايا للفاشلين في كل المجالات. و هذا هو الريع الحقيقي و الغش الواضح. أن نضيع مبدعا و صانعا للحدث الثقافي فذلك فعل لا يليق بمغرب عرف و يعرف و سيظل يعرف بحب ملوكه و قياداته للثقافة لأنها عماد من أعمدة الوطن. العطاء الفني و الثقافي لا يفهمه الا صاحب الذوق الرفيع و الحس البديع . و لا يلزمه مرافقة من لا يفرقون بين السلم الموسيقي و السلم الإداري.