آخر الأخبار

أحمد الحجامي يستعيد ذكريات 23 مارس ـ 8 ـ

على مستوى الدولة، كانت التناقضات في بدايتها ولكنها كانت بادية للعيان ولم تكن الأمور بعدُ بذلك «الانسجام» الظاهري الذي صنعه العداء للمغرب وقضيته الوطنية، وأقطاب النظام كان كل منهم يشكل دولة داخل الدولة؛ فأحمد مدغري مثلا الذي يعتبر باني الدولة الجزائرية أنهى تناقضه مع بومدين بشكل مأساوي عندما فضل أن ينتحر عام 1974 على أن يرى بلده يسير نحو الهاوية.

والشاذلي بنجديد تُركت له منطقة وهران شبه إقطاع خاص يتصرف فيه كيف يشاء شرط أن يبتعد عن العاصمة وشؤونها. وداخل الحكومة الجزائرية كنت تجد الشيء وضده؛ وزير ثقافة تقدميا ومتفتحا مثل أحمد طالب الابراهيمي الى جانب آخر في منتهى التخلف والرجعية مثل وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية مولود قاسم الذي بدأ منذ ذلك الوقت ينفخ في نار الفتنة الدينية ويحرض «العلماء» على أطر الدولة التقدميين والمنفتحين، وكنت تجد شخصا مثل قايد أحمد عضو مجلس الثورة ومسؤول «جهاز» الحزب ينهي حياته لاجئا بالمغرب حيث يموت.

قايد أحمد كان يختصر لوحده، من خلال العدد الذي لا يحصى من النكت التي ألفها عنه الجزائريون، الوضع في الجزائر. النكتة التالية خير تعبير عن واقع الحال: «خطب قايد أحمد فقال: قبل 19 جوان كنا على بعد خطوة من الهاوية. بعد 19 جوان تقدمنا خطوتين إلى الأمام».. وكان يحلو لبعض الأصدقاء الجزائريين أن يشبهوا سياسة بلادهم بسائق السيارة الذي يضع إشارة السير إلى اليسار وهو يريد الانعطاف إلى اليمين.

عندما كان العالم يساريا

كانت علاقتنا حتى ذلك الوقت مقصورة في المغرب على الثورة الفلسطينية وبالتحديد مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي انحزنا إليها منذ البداية. بل كثيرا ما كنا نستقطب الشباب الفلسطيني الذي أتى الى المغرب بدون انتماء سياسي الى الجبهة الديمقراطية. وأدى بعضهم ضريبة النضال المشترك عندما امتد قمع 1972 الى المناضل الفلسطيني محمد أبو دقة الذي اعتقل مع عبد اللطيف الدرقاوي والمجموعة قبل أن يطلق سراحه في 1973. فلسطيني آخر مقيم بالجزائر (شحدة أبو دقة) نزل ضيفا على محمد السمهاري وعندما اعتقل البوليس السمهاري دون أن يكتشفوا – لحسن حظه – «تورطه» في التنظيم السري، قضى ضيفه معه بضعة أيام في الكوميسارية..

 

بعد التحرك على مستوى حركات التحرر في الجزائر، بداية السبعينات، اتسعت العلاقات لتشمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، الجبهة القومية في اليمن الجنوبي، الجبهة الشعبية في البحرين، حزب البعث السوري (جماعة الأتاسي وصلاح جديد يمثله ابراهيم ماخوس وشمس الدين الأتاسي في الجزائر)، والحزب الشيوعي السوري (جماعة المكتب السياسي المعارض لخالد بكداش) وكان يمثله برهان غليون الأستاذ بجامعة وهران وقتها، جبهة تحرير إيرتيريا، العامل التونسي وتنظيمات يسارية تونسية أخرى… وتطورت العلاقات بشكل خاص مع مكتب جبهة تحررير عمال والخليج وامتد التعاون بيننا في عدة ميادين لاحقا حتى أنه تم الاتفاق، بطلب منهم، على إرسال طبيب الى الجبهة حيث تطوع على ما أظن عمر القاشوحي من فرنسا (في أوج التنسيق مع إلى الأمام) الى هذه المهمة ولكن الجبهة عدلت عن طلبها.