آخر الأخبار

الخبر اليقين، بلاغات الديوان الملكي 

إدريس الأندلسي

 

بلاغان في يوم واحد يخصان علاقة مملكتين عرفت علاقتهما الكثير من الخلاف خلال السنوات الماضية. ما بين الحدود  و الحدود جرت مياه بما لا تشتهيه السفن. تغيرت اللغة الدبلوماسية  و المواقف  و باتت المدينتين المحتلتين سبتة  و مليلية  على حافة الإفلاس.  و تمكن المغرب من مواجهة الآثار بكثير من الصبر  و المواجهة  و الفعل. لم يستسلم لما سمي بقدر التهريب الذي يدمر معاملا  و فرص شغل  و يتسبب في خروج عملات صعبة تقدر بالملايين يوميا.  صحيح أن عمق الأزمة تاريخي حتى النخاع  و صحيح أن العلاقات بين البلدين يجب أن تتم إعادة تأسيسها.  صحيح أيضا أن هذه العلاقات يمكن أن تخلق الكثير من التكامل الإقتصادي  و تخلق الكثير من القيم المضافة. المهم هو أن يسيطر العقل على القرار في ظل عواصف قد تأتي على الأخضر  و اليابس.  المغرب لا يريد غير بناء مستقبله  و مستقبل أجياله  بقرار داخلي  مؤشر عليه جغرافيا من طنجة إلى لكويرة. 

حين نسبح في بحر البحث عن خبر صحيح او على الأقل انتجته أقلام مسؤولة  و ذات إهتمام بقدسية الخبر، تعبث بنا رياح  و تفعل فينا الأمواج فعلها حتى نكاد “نتنفس تحت الماء “. علاقاتنا مع إسبانيا قديمة  و معقدة  و تاريخية  و تحيط بها الأشواك مثلما تحيط الأسوار الشاءكة بمدننا المحتلة في الشمال.  و رب ضارة نافعة  وقوة تنبع من التاريخ الذي لا قدرة لأي قوة استعمارية على اجتثاث جذوره. القضية بين المغرب  و إسبانيا قديمة  و لم يقدر على تغيير مسارها عثاة الكنائس  و العساكر  و لا من كتبوا من أجل تغيير حقائق تاريخيه. و ستظل القضية حبيسة الجغرافيا  و التاريخ  و حتى الأديان. 

كم تنطعت حكومات اليمين  و اليسار الإسباني  و لم يستفق فرانكو  و رجعت الملكية إلى كرسيها في قصور مدريد  و كتبت المسيرة الخضراء صفحة لا يمكن أن تنمحي إلى الأبد.  و قد تعامل المغرب  مع المحتل بالحكمة  و بالنضال السياسي دائما  و المسلح أحيانآ حتى شاهدنا العلم الوطني يرفع على سارية بحضور سلطات إسبانية  و مغربية في قلب جنوبه . و رغم خيانة قلة مؤازرة من طرف طغاة انساهم شيطان الطغيان و الحقد  واجب رد الجميل لشعب بدل الغالي  و النفيس في سبيل تحرير الجزائر. واجب الوحدة  و دعم المغرب تحول إلى اصطفاف ضد الشرعية.  و لكن سلطات الإستعمار لها أرشيف يحفظ الذاكرة.  و لهذا  وجبت قراءة بلاغ الديوان الملكي حول علاقة المغرب  و إسبانيا في إطار تحليل يعمل العقل  و الإرادة في الفعل في الواقع. المهم أن بيدرو شانسيز رئيس الحكومة الإسبانية يقرأ علاقة المغرب بوحدته في إطار فعل سياسي سجله المغرب منذ سنوات  و اقتنعت به أغلبية الدول التي تملك رجال دولة  و ليس أدوات يتم ارشاؤها لتبيع ما لا تملكه.  الإعلام تنوع  و تبعثرت أوراقه حتى أصبح كل ممتلك لكاميرا أو لهاتف نقال يتخيل نفسه مدير وكالة أنباء. 

تفتقت بعض العبقريات التي قد تكون تجهل بتاريخ العلاقات الدولية  و بمختلف فروع القانون الدولي  و بما نتج عن الحروب العالمية  و بالازمات القارية،  لكي ” تصبح  و تمسي علينا” بأخبار عن لحظات أخيرة قبل إطلاق الرصاصة الأولى أو ضربات المدافع  و هدير الطائرات.  و المسألة في شمالنا  و حتى في شرقنا تتحكم  قواعد غيرتلك التي  في أزمات في مناطق أخرى. لذلك فالمنذرون بحرب قريبة لها تغيب عنهم الكثير من المعطيات  و قد يقرؤون صفقات التسلح بسرعة أكبر من سرعة الصواريخ. مضيق جبل طارق  و خليج فارس  و قناة السويس  و قناة بانما  و كل الممرات الاستراتيجية عالميا تفرض موقعها على القرارات السياسية  و العسكرية.  و لذلك يمكن قراءة بلاغ الديوان الملكي قراءة تستوجب استحضار موقع المغرب الاستراتيجي  و ما أقبل عليه اقتصاديا  و سياسيا  و عسكريا  و اجتماعيا خلال العقدين الأخيرين. صحيح أن ملوك المغرب لم يعترفوا منذ احتلال سبتة  و مليلية  و كافة الجزر المغربية القريبة جدا من سواحله  و صحيح أيضا  أن القرون الماضية لم تمح أبدأ روابط التاريخ  و البيعة  و الدم  و النسب  و الإنتماء منذمعركة الملوك الثلاثة  و حتى معركة الزلاقة. و لمن لا يعلم وجب التذكير بأن رجالات مراكش السبعة من ضمنهم قطبان.  أولهم ” القاضي عياض ” الذي قال فيه المؤرخون “لولاه لما عرف المغرب” و ابو العباس السبتي” الذي طبع الفكر الصوفي  و أبدع في خلق ثقافة التضامن الإجتماعي من خلال علاقة بين الصدقة  و من يستحقونها.

هذه خلفية سياسية  و تاريخية جزئية في مسار علاقة المغرب باسبانيا.  و لأن الغرب لا يعترف إلا بالفعل  و تغيير الواقع  و خلخلة موازين القوى،  فلا غرو أن ينزعج جارنا الشمالي من الميناء المتوسطي  ومن عزمنا على السيطرة على خيراتنا الطبيعية  و من تنويع علاقاتنا الدولية  و من وضعنا لكل مكونات ضعفنا على ميزان التقييم  و التقييم.  حين طرحنا سؤال النموذج التنموي الجديد  و شرحنا جسم التنمية ببلادنا زاد الشك لدى جيراننا في نوايانا  و في ما سنقبل عليه.  من فتح الباب يعرف ما وراء الباب.  المغرب ماض إلى مستقبله  و لن ينتظر اذنا من أحد.  و إن غدا لناظره لقريب.  المستقبل القريب قد يفرض كثيرا من عوامل التوازن في علاقة المغرب بأوروبا   و قد تكون هذه العلاقة ذات ارتباط وثيق بالطاقة  و بالمعادن  و بانتاج الغذاء و بفتح قنوات تكثيف المباذلات التجارية انطلاقا من غرب البحر الأبيض المتوسط.  إننا نقرأ مقدمات ما تحمله متغيرات العلاقة بين المغرب و إسبانيا.  صحيح أيضا  أن ما يجري سيكون له بالغ الأثر على الجار الشرقي الذي لن نكون سببا في ايذاءه بأي شكل من الأشكال لأننا لم نقم إلا بواجب التضامن مع شعب  و بوحدة ترابه في الوقت الذي قرر عسكره  و زبانيته بناء أمجاد بواسطة مرتزقة  سببوا افلاسه. و إن غدا لناظره لقريب.