آخر الأخبار

التخربيق

محمد نجيب كومينة

 

َالتخربيق
وافق مجلس الحكومة على مرسوم يتعلق بانهاء وجود وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة في الحكومات السابقة و الحاق اغلب اختصاصاتها بوزارة المالية، ونتيجة لذلك لم يبق من مديريات الوزارة المنتهية الصلاحية غير مديرية الاسعار والمنافسة والمقاصة. هذا المرسوم اعده بنشعبون عندما كان سوبير وزير في الحكومة السابقة يجمع المالية و الشؤون الاقتصادية والعامة والوظيفة العمومية …في اطار التوازنات التي ميزت حكومة سيطر عليها ثلاث وزراء وجعلوا بقية الوزراء، وبالاخص منهم الوزراء الاسلاميين الفارغين والفاشلين، مجرد وزراء اشباح، بمن فيهم رئيس حكومة ضعيف الشخصية والقدرات،وهو ما تفاقم في ظل الجائحة.
والحقيقة ان صياغة هذا المرسوم اصبحت ممكنة نظرا للهندسة الحكومية الغبية، والهندسة الحالية لاتبتعد عنها، التي اختلط عليها البقر.
ذلك ان اختصاصات وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة والحكامة هي من صميم اختصاصات الوزير الاول سابقا، ورئيس الحكومة حاليا الذي لم يرتق الا على مستوى التسمية باللغة العربية، والوزير المكلف بها كان يسمى وزيرا منتدبا لدى الوزير الاول ثم لدى رئيس الحكومة، وهي تسمية دقيقة تشير الى انه مساعد وملحق برئيسه وليس لوزاراته وجود مستقل، والاختصاصات الموكولة للوزارة المنتدبة السابقة هي الشؤون العامة، التي كان يتولاها المرحوم السباعي مديرا ثم وزيرا منتدبا كجزء من الوزارة الاولى وادارتها، والشؤون الاقتصادية التي تتضمن عادة التخطيط، بعد احداث المندوبية بدلا من الوزارة، والتموين ومراقبة الاسعار والمنافسة، وصندوق المقاصة والعلاقة مع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وايضا الحكامة التي تندرج في اطارها ما يتعلق بمناخ الاعمال والاستثمار و اصلاح الادارة …الخ
وهذه كلها اختصاصات لرئاسة الحكومة نظرا لطابعها الافقي وشمولها لمختلف القطاعات و هي التي تبرز دور رئيس الحكومة في تنسيق السياسة الاقتصادية من جهة وتنسيق السياسات العمومية من جهة اخرى وبدونها تصبح رئاسة الحكومة ليس فقط اضعف من الوزارة الاولى السابقة، ويفرغ دستور 2011 من اي محتوى فيما يتعلق بالاختصاص الحكومي والمجال التنظيمي، بل تصبح اصغر بكثير من وزارة غول اسمها وزارة الاقتصاد والمالية تمثل لوحدها حكومة داخل الحكومة وليس فقط ام الوزارات.
ليس هذا وحسب، بل ان كثيرا من اختصاصات الوزارة المنتدبة السابقة التي ابتلعتها وزارة المالية بينت التجربة التاريخية العملية ان عزلها عن وزارة المالية ضروري كي لا يتغلب الحساب الضيق، ولو تحت ضغط اكراهات، على الحسابات الاجتماعية وكي تتم المفاوضات مع بعض المنظمات الدولية، وفي مقدمتها البنك العالمي، على اساس رؤيا وبرامج اوسع من الاغلفة المالية، وكي يكون لرئاسة الحكومة رافد ومفاوض في ميادين التخطيط و الاستثمار ومناخ الاعمال، هذا فضلا عن ان مسائل الاسعار والمنافسة لا تتلاءم مع وظائف وزارة المالية اطلاقا، ومن شان تكليفها بها ان يربك تلك الوظائف او يجعل المديرية، المفروض ان دورها كبير ومتكامل مع مجلس المنافسة، الى مديرية ميتة، وخصوصا اذا تعامل معها موظفو المالية كزائدة دودية.
كان حريا، في اطار منظور اصلاحي يناسب روح ومنطوق دستور 2011، ان تحول اختصاصات الوزارة المنتدبة السابقة الى رئاسة الحكومة في اطار مديريات واضحة المعالم والاختصاصات تعمل مع الامانة العامة للحكومة، المفروض انها هي ايضا ادارة تابعة لرئيس الحكومة وليست وزارة بالمعنى الدقيق للكلمة، وذلك من اجل الاحتفاظ لرئيس الحكومة باختصاصاته الاصيلة وغير القابلة للتفويت لغيره من الوزراء و تقوية رئاسة الحكومة في اطار منظور جديد لعلاقات السلط فيما بينها وتعاونها وتوازنها، لكن التخربيق انتصر لان من صاغوا المرسوم فيما يبدو ليس لهم منظور دولة و لا يعرفون التاريخ الحكومي واسباب نزول بعض الوزارات او الوزارات المنتدبة في هذا الوقت او ذاك، وليس لهم بطبيعة الحال تكوين سياسي يجعل عملهم التقني مؤطرا ومنخرطا في الافق الذي فتحه اصلاح دستوري كبير عنوانه السير نحو بناء دولة المؤسسات، و قد اكتمل التخربيق باحداث وزارة لا اساس لها ولا راس، سترث بعض اختصاصات الوزارة المنتدبة بدورها، تختص بما يفترض ان يختص به المجلس الاعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية و المفتشيات العامة للوزارات ومؤسسات اخرى قائمة، بحيث احدث اخنوش لصديقه كاتب الدولة في الخارجية السابق وزارة على مقاسه يشبه مكتب دراسات وليس وزارة و ستكون لامحالة،والزمن بيننا، مثار مشاكل، ولو كان لرئيس الحكومة قدر يسير من الذكاء السياسي لا ستنسخ له وزارة الحليمي في حكومة التناوب التي جعلت وزارة الشؤون الاقتصادية والعامة تخرج من الظل وجعلت الحليمي يظهر بمظهر نائب للوزير الاول المرحوم عبدالرحمان اليوسفي في اطار تشكيلة وزارية من مستوى سياسي عال و ليس تشكيلة بخواء وهشاشة التشكيلة الحالية التي نرجو من الله صادقين ان لا تورط البلاد في مشاكل لا قبل بها. وحين تبدا حكومة عملها باثارة مشكلة وزيرة تريد وضع زوجها في رئاسة ديوانها مثلا، وبلا ادنى شعور بالحرج، فانه يمكن توقع بداية مسلسل سامحيني.