آخر الأخبار

جليل طليمات يتحدث عن السي احمد المناضل السياسي

2_ أحمد المناضل السياسي والنقابي اليساري : في آخر مكالمة هاتفية مع شقيقي أحمد قبل رحيله بأيام معدودة ,سألني عنموعد صدور عدد المجلة الفكريةالنهضةالخاص بخمسينية اليسار الجديد ,وكان مستعجلا صدوره,متشوقا للاطلاع علىما كتبه مثقفون ورفاق له من مؤسسي اليسار السبعيني في نقد وتقييم مسار ومآل هذه التجربة السياسية والتنظيمية التيانتمى إليها وانخرط في مساراتها منذ انطلاقتها,ولكنضغط الدمالغادر حال بينه وبين تحقيق هذه الرغبة , فأحمد طليماتيعد من الرعيل الأول لليسار الجديد : فمن وجودية مرحلة الستينيات التي اعتنقها فلسفة ونهجا في الحياة ,وهو في السنواتالأولى من شبابه , ومن داخل مشتلالرابطة الفكريةبمراكش انخرط أحمد ,المثقف الوجودي في المسار السياسيوالتنظيمي لليسار الماركسي اللينيني وبالتحديد في منظمة 23 مارس , فكان صوت المنظمة الصادح في وجه البيروقراطيةالنقابية مجسدة آنذاك في النقابة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل , وفي نفس الوقت , الفاعل الثقافي في فرعاتحاد كتاب المغرب بمراكش, وعضو هيئة تحرير مجلةالاختيارالتي أسستها وأدارتها باقتدار وانفتاح الشاعرة مالكةالعاصمي. ولم يثنه العمل السياسي التنظيمي السري طيلة عقد السبعينيات وبداية الثمانينيات عن الحضور القوي فيالساحة الثقافية , إذ زاوج بين المجالين بشكل مثمر: مجال العمل السياسي التنظيمي الخلوي السري , ومجال الفعل الثقافيالإشعاعي والجماهيري, دون فصل بينهما ,وبذلك شكل بالفعل أحد نماذج المناضل المثقف, والمثقف المناضل , فالثقافة ,كماتشبع بذلك منذ وجوديته السارترية ,”ليست محايدة“, وما كانت كذلك في التزامه النضالي وفعله الثقافي وإنتاجه الأدبيالإبداعي. ولاشك في أن الحديث عن السيرة النضالية لأحمد داخل صفوف منظمة 23 مارس, ثم في إطار منظمة العملالديمقراطي الشعبي ( م ع د ش), قد يفيض هنا عن الحاجة والمقام, وعليه أسجل هنا , من باب الإشارة فقط ,إلى عناصرمميزة لتجربة الرفيق الراحل أحمد كمناضل يساري :

_ الالتزام والفعالية : ففي مختلف المسؤوليات التي تحملها تحلى الرفيق الفقيد أحمد بمستوى عال من الفعالية والمواظبة فيإنجازها,كما يشهد له بذلك رفاقه وجل مناضلي م ع د ش التي كان عضوا في لجنتها المركزية وفي اللجنة المحلية لمراكش, وفي حركة الشبيبة الديمقراطية التي كان عضوا في مكتبها التنفيذي , وعضوا بمكتب جريدة أنوال حيث كان من عناصرهالفاعلة والمنتجة لمادة إعلامية محلية نوعية ,إضافة إلى إنتاجاته القصصية التي كان يخص بها الجريدة . لقد جعل أحمد, بفعاليته ومواظبته في أداء المسؤولية من مقر المنظمة بمراكش ورشة ثقافية وفنية نموذجية, ومشتلا لأطر شابة مشبعة بقيمالثقافة الديمقراطية.

_ التشبث بالحرية والاستقلالية : فقد كان أحمد شديد الحساسية للمركزية التنظيمية المفرطة ومساطرها التنظيمية المصادرةلحرية الرأي والاختلاف باسمالانضباط للتوجيهات ” , فالأولوية عنده للحرية لا للانضباط الحديدي , للاقتناع الذاتي بعدنقاش وحوار,لا للتحشيد الجماعي الذي ينتج ,كما كان يقولإمعات لا مناضلين“, وقيادات تحمل بذور الجور والتسلط . ولعلذلك هو ما يفسر التزامه العقلاني والصادق بتوجهات ومواقف المنظمة في مختلف القضايا السياسية والإيديولوجية من جهة, وفي نفس الوقت ,تعبيره الراقي والمتزن والمستقل عن رأيه في القضايا الخلافية من جهة أخرى. وأذكر هنا كيف تصرف فقيدنافي مواجهة أدق أزمة اجتازتها م ع د ش في منتصف التسعينيات اضطرت معها إلى إجراء استفتاء حول أرضيتين لتوجهينمتعارضين: قال لي رغم أن الأرضيةبالتي حملت عنوانضد الانعزاليةتعكس قناعاتي السياسية , فإني سأصوتلصالحها على مضض ؟ لماذا يا رفيقي؟ أجاب لأن هذا الاستفتاء هو بداية الشقاق, يؤجله ولا يعالج أسبابه العميقة. وذلك ماكان .

ومنذ منتصف التسعينيات أخذ أحمد مسافة من العمل التنظيمي(الحزبي) وذلك في سياق, وتحت تأثير صدمتين: صدمةرحيلتوأم روحهورفيق طفولته وشبابه وكل محطات مساره الحياتي والنضالي ,شقيقنا عبد العزيز في حادثة سير مفجعة , وصدمة ما آل إليه الخلاف داخل م ع د ش من نهاية دراماتيكية.

لم يقطع أحمد مع تجربة اليسار وثقافته واختياره الإيديولوجي والسياسي, ولم يبخس من قيمة هذه التجربة كما فعل البعض, ولم يعتبرالعمل المدني الجمعويبديلا عنها وعن الحزبية عموما , وإنما واصل فعله النضالي من موقع مستقل عن أيةإكراهات تنظيمية _ حزبية ” ,موقع الكاتب المبدع النقدي لأمراض السياسة والأحزاب والمجتمع عموم