آخر الأخبار

إسداء النصح

إدريس بوطور 

” عندما تقول إن نصف المجتمع سيئ سيمتعض منك الجميع وقد يكرهونك ، لكنك عندما تقول إن نصف المجتمع جيد سيحتفلون بك ويستحسنون قولك مع أن العبارتين بمدلول واحد “هذا الكلام لبرنارد شو روائي وكاتب مسرحي انجليزي عرف بمنهجه النقدي الساخر للمجتمع، يلامس هذا القول البليغ خاصية كائنة في تركيب نفسية الإنسان الغريزية وهي التفاؤل بالجميل من القول والتطير من السيئ منه ، ونظرا لشساعة مجال هذه الخاصية فسأقتصر على جانب منها يهم أسلوبا في التعامل الاجتماعي بين الناس وذلك بتحري الاحتياط لدى انتقاد تصرف شخص معين ، أو في إسداء النصح  فالإنسان جبل( بضم الجيم وكسر الباء ) على عدم تقبل النصيحة باعتبارها أسلوبا من التحقير وتصغير المنزلة ، لذا فإن الناصح إذا أراد بلوغ الأرب في نجاح مهمته لنصح صديق أو قريب فعليه تسبيق بعض محاسن المنصوح قبل الدخول إلى صلب النصيحة حتى ينفتح المستقبل ويتقبل ما سيأتي  تقديم النصح فن من الفنون الأدبية والإجتماعية يتطلب منهجية خاصة ومن هذا المنطلق وفي إطار تقديم النصح لأولي الأمر والحكام في عصور سالفة كان الناصح يغلف نصيحته وتوجيهه في تلابيب قصة أو رواية تصل إلى المتلقي ليفك لغزها ، وهكذا كانت الغاية من حكايات كتاب ” كليلة ودمنة ” وهي نصائح موجهة الى الحاكم عن طريق روايات على لسان الحيوانات ** كما أن ما جبل عليه الإنسان منذ القدم من رفض لتقبل النصح المباشر السافر هو ما ساهم في ظهور الأمثال والأقوال السائرة التي أصبحت من فنون القول وآدابه تمرر عن طريقها الدروس والعبر والنصائح.

خلاصة القول فالكلمة الطيبة صالحة في كل الأزمنة والظروف والأحوال ولها مفعول مؤثر إيجابا في رأب الصدع بين المتخاصمين وفي تقديم المشورة وإسداء النصح للحائرين من أجل حفظ العديد من التوازنات الاجتماعية وتمتين العلاقات الإنسانية التي أصبحت تعرف في زمننا الراهن تفككا خطيرا وعلى نطاق واسع.