آخر الأخبار

جماعة مخالفة و جماعات مجذفة – 3 –

كان هذا الخلاف النواة الأولى التي أدت، بعد توسع دار الإسلام واعتناقه من شعوب مختلفة، وسيطرة الدولة الإسلامية على مقاليد السلطة في بلدان عديدة. واشتد الخلاف مع نشوء دولة بني أمية بعد اغتيال الخليفة عثمان، والإمام علي، والحسن والحسين وغيرهم (في ظروف غامضة أحيانا ظاهرة أخرى مثل قتل الحسين في حرب الكوفة)، وإنشاء معاوية لولاية العهد، مما منح حزب الشيعة قوة أكبر للدفاع عن أفكاره و جمع المعارضين لحكم بني أمية، وبعدهم بني العباس. وصار الشعار هو جمع المستضعفين في الأرض لمواجهة طغاة بني أمية وبني العباس الذين استولوا على السلطة غصبا و ابتعدوا عن قيم الإسلام، فتطور التأويل، واختلاق الأحاديث. ودخلت أفكار جديدة مع دخول شعوب ذات حمولة فكرية و فلسفية للإسلام، محاولة تدميره من الداخل واستغلال هذا الخلاف لأغراض سياسية أو عقائدية من طرف جماعات أخرى.

هذا الخلاف كان بين فريقين، كلاهما جزء من الإسلام، وخلال هذه المرحلة دارت حرب الجمل بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، ومقتل الإمام علي –ض– من طرف الخوارج، والإمام الحسين من طرف الأمويين. وفي سنة 148 هـ، وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق -سادس الأئمة الشيعة- أنكر جزء من الشيعة تولي موسى الكاظم الإمامة بعده، وقد كانوا يعتبرون الإمام هو إسماعيل بن جعفر الصادق الذي توفي في حياة والده، فانتقلت الإمامة من (من إسماعيل) إلى ابنه محمد. ويظهر من خلال الأحداث التاريخية أن هذا الأمر لم يكن ذا أهمية بالنظر إلى قلة عدد أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق، وإنما استغل الخلاف حوله لتوسيع دائرة الصراع والنزاع، و هدم المؤسسات الإسلامية سواء كانت سنية أو شيعية. وكان من أوائل الذين استغلوا هذا الخلاف، ووضعوا أفكارا جديدة تستمد قوتها من العقائد السابقة على الإسلام خاصة المزدكية والهندوسية، وحتى بعض الأفكار المسيحية واليهودية ميمون بن قداح. كان هذا الشخص يحاول عبر هذه الأفكار هدم الدولة الإسلامية، باستغلال الخلاف الشيعي/ السني، ثم الشيعي/ الشيعي، لوضع أفكار مرتكزة على عقائد قديمة. ولما كان الكثير من الشعوب التي دخلت الإسلام لا تزال تحمل بعض الأفكار السالفة من عقائدها، وتعاني من بعض التصرفات اللاإسلامية فيما يتعلق بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، فإن هذه الأفكار تحولت إلى عقيدة لدى بعض الجماعات، عززها إخوان الصفا بكتاباتهم، التي تأثر بها الكثيرون علما أنه (أي إخوان الصفا) لا علاقة لهم بالإسلام، وهم أربعة أو خمسة أشخاص: أبو إسحاق الصابي، ويحي بن عدي، وأبو سلمان السجستاني، وماني المجوسي أو الزراديشتي. وقد تطور التأويل مع ظهور هذه الأفكار وأصبح للآيات والأحاديث معانٍ ظاهرة ومعانٍ خفية أو باطنية، وانخرطت جماعات مختلفة آمنت بهذه الأفكار لأسباب مختلفة، البعض (كالقيادات) من أجل السلطة، والأكثرية من أجل وضع حد للظلم الاجتماعي والاقتصادي، إذ أغلب الناس لا تهمهم الأفكار بقدر ما يهمهم الوضع المادي. وتختلف المراجع في تحديد شخصيات إخوان الصفا، فهناك من يقول هم:           أبو سليمان البسطي، والحسن الزنجاني، وأبو أحمد النهرجوري، والعوفي، وهناك من يضيف شخصا آخر يدعى ابن أبي البغل وكان منجما. ويختلفون في تاريخ ظهورهم بين قائل إنهم ظهروا في القرن الثامن الميلادي، وقائل إن ظهورهم في القرن الحادي عشر الميلادي، ويبدو أنهم من القرن الثامن أما الجماعة التي ظهرت بعد ذلك، فهي مجرد منتسبة لأفكارهم مضيفة إليها، لأن مرحلة القرن الثامن هي مرحلة الأفكار والخلافات المذهبية والفكرية.