آخر الأخبار

الإساءة و الإحسان في حق من حكم مراكش من النشأة إلى الآن – 27 –

أمير المسلمين علي بن يوسف
لما توفي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين في التاريخ السابق الذكر بايع الناس أبنه علي بمراكش وكان ذلك بعهد من أبيه إليه وتسمى بأمير المسلمين وكان سنه يوم بویع وعشرين سنة ، فوجد البلاد تنعم بالأمن والرخاء ، وكثرة الأرزاق وإدارة حازمة ومنضبطة وآمنة وبيت مال عامر بالنفائس والتحف النادرة والأموال الطائلة وجيش من أقوى جيوش العالم انضباطا وتنظيمها ودراية بفنون الحرب والقتال فصار على نهج أبيه في الأحكام وتسيير أمور البلاد والعباد وأتته الوفود من أنحاء الإمبراطورية ميهنئة ومعبرة عن السمع والطاعة إلا وفد أهل فاس فلم يكن من المبایعین ۔ وسبب ذلك هو أن ابن أخيه يحيى بن أبي بكر كان عاملا على مدينة فاس من طرف جده يوسف بن تاشفين ولما بلغه وفاة جده وتولي عمه علي أمور البلاد عظم عليه ذلك ولم يتقبله وبخاصة أن عليا كان يصغره بكثير فامتنع عن المبايعة وخرج عن طاعة أمير المسلمين علي بن يوسف ووافقه جماعة من جيش من قبيلة لمتونة كانت تحت إمرته . فلما انتهى الخبر إلى مراكش زحف أمير المسلمين بنفسه نحو فاس بفرقة متخصصة في فض الفتن حتى إذا دنا من فاس خاف يحيى على نفسه وأيقن أن لا قدرة له على مواجهة جيش عمه فاستسلم وخرج من فاس ونزل على حكم أمير المسلمين وكان ذلك يوم الأربعاء الثامن من ربيع الثاني سنة خمسمائة ، وجاء عند صاحب الاستقصا رحمه أن يتدخل عند أمير المسلمين ليصفح عنه ويعفو عما بدا منه من عصيان وشق الطاعة فاستجاب لطلبه لكنه خيره بين أمرين إما أن يقيم بالجزيرة الخضراء بشرق الأندلس أو بتخوم الصحراء بعيدا عن مراكش ، فاختار السكن في الصحراء فكان له الله انه طلب من القائد مزدلي الشكاوي إلى أمير ما أراد وظل بتخوم الصحراء حتى بدت منه أشياء غير لائقة وكثرت به ا المسلمين فنفي إلى الجزيرة الخضراء وبقي بها إلى أن مات ، وكان هذا الحدث بمثابة اختبار له بعد تسلمه سلطة البلاد حكمهم ، فعزل عن قرطبة محمد بن الحاج وولی مکانه محمد بن أبي زلفی وعزل ا وفي نفس هذه السنة أقدم علي على تغيير العمال ومسؤولي الدولة الكبار من أماكن تميم بن يوسف عن بلاد المغرب وولی مكانه أبا عبد الله بن الحاج الذي أصبح واليا على فاس وسائر بلاد المغرب أما تميم فتولی غرناطة وسائر أعمالها من بلاد الأندلس . وفي نفس هذه السنة أي سنة خمسمائة خرج أمير المسلمين علي بن يوسف من مراکش قاصدا بلاد الأندلس لتفقد الأحوال والنظر في أمور الرعية وإيجاد حلول للقضايا التي تعيشها البلاد . فسار حتى نزل بجيشه أرض الجزيرة الخضراء ، فأسرع إليه قضاة الأندلس وفقهاؤها ، وأدباؤها ، وشعراؤها ، فأدوا الولاء وبايعوا الأمير على السمع والطاعة ، فأجزل لهم العطاء وقضى لكل ذي حاجة حاجته . ثم رجع إلى مراكش . وبعد مدة من الاستراحة فكر أمير المسلمين في جلب المياه إلى المدينة حتى يتم تزويد السكان بما يكفي من الماء السقايتهم وسقاية الأنعام وري التربة والزروع والأشجار التي تزخر بها بساتين المدينة ، فجمع بعض المهندسين والمتخصصين في ميدان السقاية والري وإخراج المياه من جوف الأرض ، فأشاروا في أول الأمر على الأمير بجلب المياه من الأطلس وسيول أوريكة ، لكن الأمير استقر رأيه على اقتراح عبد الله بن يونس الذي كان خبيرا في صناعة الخطارات لجلب الماء إلى المدينة .