آخر الأخبار

من تاريخ الكيف بمراكش

ترك لنا الأوربيون خلال القرنين 19م و20م مجموعة من الكتابات و الدراسات حول المغرب، و هي كتابات مست جوانب مختلفة من الشخصية المغربية.

و تكمن أهمية هذه الأبحاث في الحصول على معلومات كثيرة تمس معظم الشرائح الاجتماعية، خاصة الطبقات الشعبية و المهمشون و المنسيون، و هي معلومات لا نجدها في الكتابات التاريخية المغربية التقليدية، هذه الأخيرة اهتمت أكثر بسياسة الحاكم و من يدور في فلكه.

و تعد مراكش من المدن المغربية التي أثارت انتباه الأوربيين خلال القرنين التاسع عشر و العشرين، و لم يترك هؤلاء الأجانب أي موضوع لم يدرسوه.

و من المواضيع التي بحث فيها الأجانب موضوع الكيف و طرق صناعته و استهلاكه، و من الذين درسوه الطبيب الفرنسي كيشار (Dr Guichard).

و لد ( Guichard) سنة 1874، و تعرض للسجن من طرف الشيخ أحمد الهيبة عندما دخل إلى مراكش سنة 1912، و ترك لنا عدة دراسات منها دراسة عن الكيف بمراكش.

يقول هذا الطبيب الفرنسي إن استخدام الكيف كان منتشرا على نطاق واسع بين السكان المراكشيين، خاصة الحرفيون و العمال و أصحاب المتاجر الصغيرة و المتسولون و العسكريون، و ذلك حتى يفرغوا ” ما في القلب إلى البطن”، و يمكن رؤيتهم مساء جالسين على الحصائر أمام المقاهي المغربية يشربون الشاي أو القهوة.

و الكيف المتداول في مراكش نوعان: كيف مهرب ( يأتي من خارج مراكش)، و كيف تسوقه شركة التبغ ( يباع هذا المنتوج في حزم صغيرة من وزن 10 غرامات ب 0.25 فرنك، و هو خليط من الكيف و التبغ، و كان المراكشيون يطلقون عليه
” كيف التبن” لأنه ليس قويا بما فيه الكفاية، و يؤلم صدورهم، و يجف حناجرهم، و لا يملك رائحة الكيف المهرب).
و يتم تزويد مراكش بالكيف بطريقة سرية عن طريق سكان البوادي و على وجه الخصوص سائقو الجمال، و يدعي الكثير من المراكشيين أن الكيف يفتح شهيتهم و يعطيهم شحنة جديدة، و العديد من الحرفيين لا يشعرون بالحماس في العمل بشكل جيد إلا بعد تدخين الكيف ( لا يتفق الطبيب Guichard مع هذا الطرح و ذكر أضرارا كثيرة للكيف). كما
لاحظ أن سكان مراكش ينسبون أخطاء استخدام الكيف إلى الأذى الذي يصيب أخمص القدم، و الذي يطلقون عليه
” حب الكيف- مسمار الكيف” و لا يتفق هذا الطبيب مع هذا التفسير.

و يضيف أن الكيف يزرع بالقرب من مراكش في منطقة الويدان و على طول الأطلس و خاصة في وادي نفيس ( كندافة) و ثلاثاء نيعقوب….و الكيف الأكثر استحسانا و طلبا في مراكش هو الذي يأتي من كندافة، و هناك كيف آخر مطلوب جدا، كان يأتي من هوارة وهسكورة من منطقة سوس، لكن المشهور من بين الكل هو كيف كتامة الذي يأتي من منطقة الريف.

و يشير كذلك إلى استهلاك ” المعجون” الذي يحضر أساسا من الكيف، حيث كانت زوجات علية القوم بمراكش يأكلنه عن طيب خاطر، و تحضيره معقد للغاية ( الكيف، الزبدة، الجوز، العسل….)، و لا يمتلك سره إلا خبير قديم، و كان يباع ب 0.75 فرنكا للأوقية ( 3 غرامات) لكن يصعب الحصول عليه.

أخيرا، تتيح هذه النوعية من الدراسات و الأبحاث التعرف على التطور الحاصل في بعض الظواهر و الممارسات داخل المجتمع المغربي، خاصة تلك المتعلقة بالفئات الاجتماعية التي همشتها الكتابات المغربية الكلاسيكية.

عبد الله أوكسا