آخر الأخبار

ترجمة حكايات الزوكولوكوبامبا لمحمد بوعابد – 1 –

عبد الصادق شحيمة

كتاب أو كتيب حكايات الزوكولو كوبامبا، واعتمدت التصغير للتجميل يندرج ضمن أحد اهتمامات من ألقبه شخصيا بالواحد المتعدد الناقد والشاعر والمترجم محمد بوعابد، إنه مجال الترجمة أحد أهم وسائل المثاقفة والتبادل الثقافي، والذي شأنه شأن غيره من المجالات يحاط بالعديد من الأسئلة والإشكالات في مقدمتها وعلى رأسها مسألة الاعتراف بالغير في اختلافه معنا، أو الاعتراف بقصور وعدم اكتمال الهوية بمختلف تجلياتها المتعددة… المعرفية أو القيمية أو الوجودية.

لقد علمنا التاريخ أن أرقى لحظاته التاريخية هي تلك التي وقع فيها نوع من التلاقح الثقافي كما هو الشأن بالنسبة لما عاشته الحضارة العربية الإسلامية وهي تترجم التراث اليوناني أو الفارسي داخل مؤسسة من مؤسسات الدولة، إلا أن الأسئلة الملحة الآن هي واقع الترجمة الحالي، والعوامل التي تركتنا لا نملك وسائل لها، هل نملك استراتيجية واضحة المعالم في هذا المجال؟ ولماذا يحتل الأفراد على مستوى الترجمة مواقع المؤسسات؟ هل كل ما يترجم أو من يقوم بذلك يتحرى ويتوخى الدقة؟ ماذا عن واقع الترجمة في مؤسساتنا التعليمية في الثانوي التأهيلي أو الجامعي.

تزداد حدة الأسئلة أعلاه في اللحظة التي نتحدث عن نوع مخصوص من أنواع الترجمة، إنه ترجمة الآداب والعلوم الإنسانية التي تتجاوز التعريب والنقل اللغوي الميكانيكي، إلى التثاقف والانفتاح ،خاصة وأننا نتحدث عن لغات لها نحوها وبلاغتها وأدبها، إلى غير ذلك من السمات اللغوية المميزة..

ضمن هذا الإطار لا يمكن نكران مجهودات جبارة قام بها مجموعة من المترجمين المغاربة أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر محمد سبيلا، عبد السلام بن عبد العالي وسالم يفوت ومحمد البكري ومحمد شحلان، مجهودات فردية بعيدة عن أي تبني مؤسساتي أو دعم مادي أو تشجيع معنوي. إن كل الترجمات المنشورة نشرت بنفقات أصحابها الخاصة، ناهيك عن نظرة دور النشر لما يترجم، ليس كقيمة، وإنما كسلعة تخضع لسوق العرض والطلب…

من رحم هذه المفارقات المثبطة  تنسل حكايات الزوكولو كوبامبا ويطل المترجم محمد بوعابد متحديا كل العوائق المادي منها والمعنوي ليمتع جمهور قرائه بسرد حكائي إفريقي، بعد أن كان قد حقق المتعة إياها في ترجمته لرواية اللؤلؤة sللأمريكي جون إرنست شتاينبك.

كتيب الحكايات صغير في حجمه كبير في محتواه، يستمد عنفوان السرد من ارتباطه بالكون وولادته، ولأترك للقراء الكرماء متعة اكتشاف حكاياته العشر، سأقف عند ما يسمى في الخطاب المقدماتي بالعتبات وهي عبارة عن تصدير ومقدمة وتقديم، إضافة إلى ملحق بعنوان التراث الأدبي الشفهي الإفريقي.

وقع التصدير الذي افتتحت به الصفحة السابعة بقلم الدكتورة الشاعرة مالكة العاصمي التي ركزت على الجانب التربوي للحكاية الشعبية بالنسبة لوجدان الأطفال وآفاقهم التخييلية،  معتبرة إياها من أهم الأدوات التي يتعين إهداؤها للمجتمعات التي أصبحت تعاني من العنف بشتى مظاهره وأشكاله.

فالحكاية الشعبية من النصوص السردية التي تجمع بين جانبي المتعة والفائدة لما تتضمنه من تاريخ إنساني، وما تحتويه وتعمل على غرسه من قيم إنسانية نبيلة كالخير والمحبة والتضامن والجمال والإبداع، وهي القيم التي بدأ مجتمعنا يفتقر إليها ولا يمكن استرجاعها إلا بالتعود على متعة القراءة التي تسجل اليوم أكثر من أي وقت مضى أدنى نسبها ومستوياتها.

وإذا كان المغرب والمغاربة قد حرموا لفترة طويلة  زمنيا من الانفتاح على فضائهم الإفريقي وعمق ذلك الفضاء بأنماطه الثقافية المختلفة، فإن ترجمة محمد بوعابد للحكايات الإفريقية ستكون بمثابة استجابة لمطالب ثقافية شتى في واقعنا الثقافي.

كما وقع هذا التصدير في الصفحة الثامنة بكلمة للدكتور الشاعر مراد القادري ركز فيها على رغبة الشعوب والحضارات في توثيق عرى التعامل فيما بينها من خلال أشكال متعددة من بينها الكلمة المدهشة والحكاية الساحرة والملهمة.

( يتبع )