آخر الأخبار

قراءة في كتاب التجربة و الرؤيا : عبد الكريم الطبال نموذجا لعبد اللطيف سندباد – 6 –

شحيمة عبد الصادق 

وفي لحظة الشروع ميدانيا في عملية التحليل يستشف أن الباحث يقبع خلف مفهوم الخطاب المقدماتي ،تحديدا خلف العتبات ،وفي مقدمتها العنوان ،فيظهر بمظهر الذي ينجز تمارين تطبيقية أو يدبج خطابا مغرقا في التجريد اللفظي الإنشائي ،أو يوهم باعتماد مبدأ العلائقية حيث العنصر وحده لا يجدي ،وإنما يتم النظر إليه في علاقاته مع بقية العناصر الأخرى ،والقارئ في انتظار ذلك كله ،سرعان ما يتم الانتقال إلى تقطيع القصيدة ليتم القفز من جديد إلى البنية الإيقاعية فيصبح النص فقيرا أو بالأحرى يتم إفقاره .يقول الباحث :” إن القصيدة منهجيا تتألف من ثلاثة مقاطع أساسية :المقطع الأول ينتهي إلى السطر الثامن ،وينطلق المقطع الثاني من السطر التاسع إلى الخامس عشر ،ويسبح المقطع الثالث للقصيدة من السطر السادس عشر إلى أن تقفل القصيدة شكليا ” ص84 .

إن حديث الباحث عن بنية القصيدة الإيقاعية يبدو   أحيانا لباسا فضفاضا تختفي داخله قسمات القصيدة وشعرية إيقاعها ،وأحيانا أخرى لباسا يضيق عن شعاع مرآتها فتتقزم أو بالأحرى يتقزم التحليل ليصبح بمثابة عموميات لا يحصل القارئ منها إلا ما يجمعه القابض على الماء . يقول الباحث :”فالصوت المنبثق من تجربة القصيدة يعرف تلوينات معقدة الضبط ،وذبذبات اهتزازية متعددة الاتجاهات  “ص85 .

إن مفهوم الاهتزاز الصوتي ينجم أو ينتج في اللغة العربية بناء على تكرار لمقاطع صوتية متشابهة كما هو الأمر في صيغة الفعل الرباعي : زلزل -دمدم -حصحص – عسعس أو عن ظاهرة التكرار الصوتي لكلمات مثل دكا دكا أو صفا صفا ،فهل قصيدة عبد الكريم الطبال تتوفر على مثل هذه المقاطع ومن أين لها بالذبذبة الاهتزازية من جهة ،وتعدد اتجاهاتها من جهة ثانية .

يستمر الحديث بنفس الطريقة ، فيتم الانتقال من المبدع إلى المتلقي مشارا إلى ” دهشته وانفعاله إزاء التغير السريع لدرجة ومقامات أصوات الحروف والكلمات ……. فهي تطول أكثر مما تقصر”

إن تحليل الباحث على المستوى الإيقاعي لم يظهر هذه الدهشة وهذا الانجذاب ، وحري به أن ينقله بأدوات تحليلية للمتلقي كما عاشه واستشعره واستمتع بمقاماته وتلويناته ونغماته .

في الصفحة 86 وبعد تقطيع بعض الأسطر الشعرية بهدف إظهار التفعيلة المعتمدة لدى عبد الكريم الطبال يوظف الباحث مفهوم الوقفات ،وفي تقديري الشخصي بالإضافة إلى ما يطرحه المفهوم من إشكالية الصراع بين النظم والوزن من الممكن استثمار المفهوم في التحليل لإظهار التطور الطارئ في تجربة الشاعر ،فالباحث يتحدث عن الوقفة العروضية في القصيدة ولم تتم الإشارة من  طرفه إلى ما سماه محمد بنيس بالوقفة المحدودة ببياض .نفس الظاهرة  نلحظها  في حديث الباحث عن القافية في القصيدة ،فإذا تجاوزنا قانون القافية الأول ممثلا في اعتماد وحدة القافية والروي ،والتجاوز الطارئ على هذا القانون بما سمي القافية المتزاوجة أو المتناوبة ،وجدنا فئة من الشعراء تعيد ترتيب بناء النص الداخلي بتفجير قافية داخلية لم يقترب التحليل منها البتة ومع ذلك يصرح بالقول “وهذا ما يجعل المحلل يبذل الجهد والعرق لرصد موسيقى القافية في القصيدة ،والتي تظل في نهاية المطاف أفقا مفتوح التأمل والكشف عن الدفين من الخصائص والسمات الصوتية ،والتي قد تتمنع على كثير من المحللين ودارسي بنية ووظيفة الإيقاع في القصائد الخالدة .ص87 .