آخر الأخبار

السينما الأمريكي – لاتينية لها أصل مشابه وهي جزء من النضال الاجتماعي

حوار مع المخرج السينمائي الكوبي، أورلاندو روخاس.

س: نحن لا نعرف الكثير عن السينما الكوبية، فما هي وضعيتها بشكل عام في الظرف الراهن؟

روخاس: حتى هذه اللحظة ننتج سنويا في كوبا 10 أفلام قصيرة و 42 فيلما وثائقيا و روائيا، بالإضافة إلى ما بين 10 و 15 من أفلام الرسوم المتحركة. و لدينا نشرة أسبوعية للتعريف بإنتاجنا الثقافي السينمائي الذي يشكل موضوع حوار مهم و كبير مع الجمهور الكوبي.
و السينما الكوبية حظيت – دائما – بإقبال الجمهور و احترامه لها. و قد حقق احد الأفلام رقما محترما يقدر بأكثر من مليوني مشاهد، و هذا دليل على الشعبية الواسعة التي تحظى بها السينما الكوبية.
و في هذه اللحظة، ثمة تحول جرى في بلادنا، فالمعهد الكوبي للفن و السينما جهاز رئيسي في إنتاج السينما في كوبا. و هناك جهاز آخر لإنتاج السينما و سيتم العمل على تقسيمه حتى بكون موجها من طرف مجموعة الإبداع، يعني أن المدراء المنتمين للمعهد الكوبي للفن و السينما سوف ينقسمون هذا العام إلى مجموعات إبداع بقيادة ثلاثة مخرجين كي تخلق داخل الحركة السينمائية جماعية العمل و تعددية و ديمقراطية على مستوى الأنشطة الفنية بهدف انتقاء الموضوعات السينمائية بحرية أكبر. هذه المجموعات ستكون موجهة من قبل سينمائيين أكثر قدرة على و تميزا على العطاء في السينما الكوبية، يعني أنها ستكون موجهة من طرف “بوتيو آلييا” مخرج أفلام “الأحياء” و “ذاكرة التطور”، و هذه آخر الأعمال التي يمكن اعتبارها من كلاسيكيات السينما الكوبية، و فيلم “الأحياء” حاز على الجائزة الثانية لمهرجان دمشق الدولي لعام 1985، و كذلك من طرف مخرج فيلم “رجل ناجح” (أومبيرتو سولار)، و أيضا من طرف مخرجين آخرين متميزين.
هذه المجموعة الثلاثية ستكون لها استقلالية اقتصادية و ستعمل باقتراح يقضي بتحقيق 80 مشروعا بالاعتماد على أعضاء المجموعة من خلال دورات عمل جماعية و ديمقراطية.
و أعتقد أن ذلك سيكون في الحقيقة نقطة انطلاق هامة للسينما الكوبية التي كانت تتعرض للإساءة أحيانا عند انتقاء الموضوعات. لكن الآن بالضبط، مع التقسيم الداخلي و مع إمكانية الحصول على استوديوهات (و كل استوديو سيتوفر على وضع مستقل و على شخصية خالصة) سيتم تسهيل ظروف العمل كثيرا. إن السينما الكوبية لها تاريخ طويل و لم تتمكن – مع الاسف – في أن تكون سينما حقيقية إلا مع ولادتها مؤخرا، و هي سينما لا يتجاوز عمرها 30 سنة كحركة ثقافية. و تعود ولادتها بالضبط إلى عام 1959 مع انتصار الثورة الكوبية. و يمكن القول بان قانون سنته الحكومة الثورية كان له الفضل في تأسيس المعهد السينمائي الكوبي. و في هذا التاريخ الطويل و القصير في نفس الوقت (30 سنة)، استطعنا حقيقة أن نمر إلى مرحلة أعلى في تنظيم العمل الخلاق و الذي هو بالضبط توظيف الأداة في خدمة ثلاث مجموعات سينمائية مختلفة.
س: هل ثمة قواسم مشتركة بين السينما الكوبية و السينما التقدمية في باقي دول أميركا اللاتينية على مستوى الإبداع و كذلك من حيث الأهداف الثقافية؟
روخاس: نعم، ليس هناك و جود لعلاقة فحسب، و إنما الأمر يتعلق بوجود اتحاد و رباط قوي جدا لان الحركات السينمائية في أمريكا اللاتينية لها أصل متشابه و هي جزء من النضال الاجتماعي، فالسينما الجديدة “الأمريكو- لاتينية” انبثقت بالضبط من الحركات الديمقراطية و التحررية لأمريكا اللاتينية. و قد ولدت مع الثورة الكوبية في كوبا، و ولدت مع الانفتاح الديمقراطي في البرازيل في الستينيات (و الذي تم الإجهاز عليه بعد الانقلاب الذي قاده “هولارت”في البرازيل)، و ولدت مع كل حركة تحررية بأمريكا اللاتينية. و الحقيقة أن هذه الحركة السينمائية التي عانت من ضربة قوية بسبب الانقلابات العسكرية جراء مجئ الديكتاتوريات. و يمكن القول أنها ولدت تحت الضوء أو تحت تأثير الأفكار الأكثر تقدمية، حيث كانت تعمل في شروط أقل صعوبة و أحيانا في شروط أكثر صعوبة كشروط المنفى.
لقد أصبح في متناول السينمائيين مفاهيم و تعبيرات جديدة كما أصبح لهم اتحادهم. اليوم يمكن القول بأن أمريكا اللاتينية – ربما – تقدم واحدة من أنذر السينمائية التي تتوجه نحو وحدة كل القارة الأمريكية. و سينما أمريكا اللاتينية لديها مستوى فني أكثر تطورا، ناهيك عن كونها أصبحت تشكل جبهة موحدو بعد أن تمكنت من اجتياز المصاعب الاقتصادية.
و السينما الأمريكو – لاتينية بالرغم من أنها قد استطاعت أن تؤثر في الظروف الصعبة، فإنها، من جهة أخرى، عانت من الإخفاق في فترات معينة، و هذا ما حصل كذلك بالنسبة لتيارات سينمائية قوية كالسينما الايطالية و السينما البريطانية.
هناك تعدد، لكن ثمة فهم عميق ضمن هذا التعدد!
س: السينما الأمريكو – لاتينية تتعدد أسماؤها بحيث نجد “السينما الجديدة” في البرازيل، و “السينما الثالثة” في في الأرجنتين، و “السينما الشعبية” في بوليفيا، كما نجد سينما “حرب العصابات” إلى ما هنالم من أسماء. فلماذا هذا التعدد في الأسماء طالما هي موحدة؟
روخاس: في المحصلة، إذا أردنا أن نرى كيف هي متعددة، نجد أن “السينما الجديدة” في أمريكا اللاتينية هي نفسها “السينما الجديدة” في البرتغال، و “السينما الثالثة” هي سينما متخصصة في قضايا العالم الثالث، يعني انها ارادت ان تكون ذات علاقة بالجذر الاجتماعي من أجل تأسيس سينما تطرح كل شيء كهدف سوسيو – ثقافي و سياسي لتحرير شاشة دول أمريكا اللاتينية من نشاط الثقافة الامبريالية و سينما الولايات المتحدة الأمريكية.
و في هذه الحالة، لا يمكن أن أقول إنها أسماء متعددة للسينما الأمريكو – اللاتينية و إن كنا نسمي كل مجموعة سينمائية باسم محدد. نحن نطلق “اوكاماو” على مجموعة بوليفيا و “السينما الثالثة” على مجموعة الأرجنتين و “المعهد السينمائي الكوبي” على مجموعة كوبا و “السينما الجديدة” على مجموعة البرازيل.
إنها حركة مع كثير من التعدد الداخلي و بإمكانيات و أشكال مختلفة. و أعتقد بان ذلك هو الذي جعل سينما أمريكا اللاتينية قوية كمجموعة موحدة، لنأخذ مثلا، “أومبرتو سولار” في كوبا ذاتها، نجده مختلفا من حيث الأسلوب الفني السينمائي عن “بوتير آلييا”، خذ كذلك “سانتياغة ألفارا”، إنه مختلف تماما عن “خورخي سانخينيس” في بوليفيا، و كمثال إضافي “فيرناندو روبن” و هو مهم جدا، لا تجد له أية علاقة ب “باتريس أوغمان” في التشيلي. هذا يعني بان ثمة تعدد كبير موجود لا على مستوى سينما أمريكا اللاتينية فحسب، و إنما على مستوى البلد الواحد، لكن يوجد، كذلك، فهم عميق ضمن هذا التعدد.
غلوبير روشا حمل الواقعية السحرية إلى حدودها القصوى
س: نعلم أن ثمة مثقفين في أمريكا اللاتينية يوظفون في أعمالهم مفهوم السحر و السينمائي البرازيلي “غلوبير روشا” يوظف هو الآخر، في أفلامه السحر و الأسطورة. فهل بإمكاننا القول إنه حتى في سينما أمريكا اللاتينية توجد واقعية سحرية؟
روخاس: في هذا الإطار برز اتجاه سينمائي تقدم بشكل جيد، و هو معروف، لأنه ولد مع “غلوبير روشا” في البرازيل الذي وصل إلى شهرة عالية، و “روشا”، في الحقيقة، قبل موته، هو الذي حما الواقعية السحرية إلى حدودها القصوى بشكل متفرد. لكن هذا الجانب من الواقعية السحرية عند “روشا”، نجده في أعمال “ميغيل ليتين” في التشيلي، و نجده عند “مانولو أوكتافيو غوميث” في كوبا، و نجده عند العديد من السينمائيين بأمريكا اللاتينية. و حضور الاسطورة و السحر من الظواهر التي ربما قدمت بشكل قوي جدا من قبل “غلوبير روشا”.
و في السينما الكوبية هناك فيلم “أيام الماء” للمخرج “مانولو أوكتافيو” ظهر في السبعينات و هو عبارة عن حكاية لأسطورة دينية أنتجت بطريقة مكثفة مع غزارة تقنية عالية جدا.
بطبيعة الحال، أستطيع القول بان ثمة أعمال سينمائية ضخمة تم إنتاجها في هذا الإطار مثل “آلهة الجن” و “أرض الشمس ل “غلوبير روشا” و “أنطوني الأموات”.
و حسب تحديد السينمائيين، فإن السينمائية البرازيلية تتوفر على أسماء مهمة، إذ بالإضافة إلى “غلوبير روشا” هناك “ماكو نعيمة خواكين”، “بيدرو أندرادي”، كما أنها تتميز في الحقيقة بأسلوب مؤكد ضمن السينما الكوبية، أي حضور الأسطورة و تاريخ الثقافة الوطنية التي شكلت أساس الواقعية السحرية.
في الأرجنتين، “سولار خينتينو” يحاول النبش في جذور الفكر السياسي
س: نحن في العالم العربي لا نعرف كثيرا عن المنظرين السينمائيين في أمريكا اللاتينية مثل “فيرناندو سولان” و “أوكتافيو خينتينيو” كمؤسسين فعليين للسينما الثالثة في الأرجنتين، فما هي بالضبط نظرياتهم الهامة في مجال السينما؟
روخاس: طيب، انا لست منظرا، إنني أعرف أن “سولانا نساس” و “أوكتافيو خينتينيو” هما من السينمائيين المهمين جدا في مجال التنظير السينمائي، لكنهما ليسا المنظرين الوحيدين، و أعتقد أن المنظرين الثلاثة المهمين جدا و الذين رافقو سينما أمريكا اللاتينية هم “سولار إنخينتينو” في الأرجنتين، و “خوليو فاسي بينوسا” و “غلوبير روشا” صاحب سينما العنف في البرازيل، و أعتقد أن الخط العام لهؤلاء السينمائيين الثلاثة أنهم ينتجون سينما غير أكاديمية و هو موقف مثبت بقوة.
من جهة أخرى، في الأرجنتين “سولار إنخينتينو” يتعاطى جيدا مع ظاهرة “الشعبوية البيرونية”، يعني أن سينماه تحاول النبش في جذور الفكر السياسي و هو يستخدمها كأداة نضالية مؤطرة وفق المذهب السياسي المذكور (البيرونية)، يوجد من جهة أخرى، فيلم يعتبر متميزا في هذا الإطار يتناول تاريخ الأرجنتين، اسمه “ساعة الأفران” أنجز من قبل هذا المنظر، و يحتوي على رصيد وثائقي عن تاريخ الأرجنتين حتى لحظة سقوط “إيزايبل بيرون”. إنها سينما – بطبيعة الحال- سياسية جدا و مؤطرة جدا بتاريخ الشعب الأرجنتيني و هي لا تستخدم أية تقنية تقليدية لاجتذاب الجمهور بواسطة إثارة الإحساس أو من خلال تناول المواضيع التقليدية و هي في تعاطيها مع الواقع التاريخي توظف مادة الأرشيف بنفس الطريقة التي يوظف بها “سانتياغو ألفاري” الوثائقية الكوبية. و توظيف هذه الأداة للتاريخ الميت و الضائع (رسميا)، يكون الغرض منه إحياء هذا التاريخ و جعله في متناول معرفة الجمهور.
س: لنحاول أن نختم حوارنا بسؤال يتعلق بمدى توفر الجمالية السينمائية في كوبا و ما هو وضعها راهنا؟
روخاس: أعتقد أن السينما الكوبية مرت من مراحل عديدة. فبعد ولادتها عام 1959 مع انتصار الثورة، حاولت تكثيف بحثها في الواقعية الجديدة مشدودة بالمعرفة السينمائية التي اختبرها السينمائيون الكوبيون الأوائل في مرحلة الواقعية الجديدة الايطالية. و التأثير الأول على السينما الكوبية جاء من سينما الواقعية في إيطاليا كما هو معروف حيث تركت بصماتها على السينمائيين الكوبيين، و بحكم هذا التأثير بدأوا في الاكتشاف. و السينما الكوبية في بدايتها كانت تقوم بوظيفة توثيق الثورة و تسجيل تاريخها و شيئا فشيئا، تحولت نحو تطوير حركتها السينمائية الوثائقية بقوة انطلاقا من وجهة نظر جمالية
مؤكدة، إذ ظهر الوجه الحقيقي و الهام جدا لتاريخ السينما الوثائقية عند “سانتياغو ألفاريس” الذي يعتبر مؤسس الوثائقية المناضلة العاكسة للحظة التاريخية الثورية و كانت بمثابة خطوة مهمة في تطور السينما الوثائقية. و “سانتياغو شخصية هامة ظهرت أولى أعماله الكبيرة في مرحلة بداية الثورة و امتدت حتى عام 1964. و ثمة بعض المحاولات تحققت جزئيا في سينما الخيال من قبل “بوتير آلييا” و “غارسيا بينوسا” المدير الحالي للمعهد السينمائي الكوبي.
و ما بين 1959 و 1964 ظهر فيلمان هامان مليئان بالقوة و الحيوية رغم انتكاسة السينما الكوبية في تلك الفترة. “بوتير آلييا” في فيلمه “موت أحد البرامج” و هو عبارة عن نقد موجه للإدارة البيروقراطية و الذي تحول إلى كوميديا ناجحة شعبيا. و هناك سينمائي آخر كان يبلغ من العمر 24 سنة يدعى “أومبرتو سولاس” في فيلمه “مانويلا” و كان بمثابة انطلاق كل هذه الروح الثورية و لكل هذه الشاعرية التي تحملها كل ثورة.
في هذه المرحلة بالذات بدأت السينما الكوبية تتوفر على أسلوب متميز مما جعل المخرجين الكوبيين في مقدمة المخرجين الطليعيين.

مصطفى روض