آخر الأخبار

إدريس الأندلسي

مشروع قانون المالية جاء بالوعود  الكثيرة  كما جاء بها المشروع الذي سبقه. الدولة ستصبح اجتماعية ببضعة ملايير من الدراهم.  هكذا كان الوعد  و لا زال الولوج إلى  التغطية الإجتماعية رهين توازنات مالية تهدد بسقوط أنظمة تقاعد  و تدهور توازنات مالية قد تدمر نظام التغطية الصحية في القطاع العام  و تضرب في العمق كل التعاضديات التي تحمل مشعل الإقتصاد التضامني الإجتماعي.  إنه وقت الهجوم على كل المكتسبات بإسم الليبرالية التي تخضع الخدمة الصحية  و تلك التي تهم أنظمة التغطية الإجتماعية لقانون العرض  و الطلب الذي أصبح مقدسا لدى فصيل هجين من طبقتنا المسماة بالسياسة.  مشروع قانون المالية لم يعد وثيقة تعكس لحظة سياسية.  أصبح، بفعل فاعل، تهريب للقضايا  و الملفات الإجتماعية و السياسية إلى مضمار صراع على الثروة  و الحصول على الامتيازات التي صنعتها القوانين بإسم دعم كافة أنواع  الإستثمار.  و التاريخ يعيد نفسه بقوة بعض الفاعلين الذين يغرقون الميزانية العمومية في الديون لكي يتحرك مستثمر تصله الأموال العمومية دون متابعة أو تقييم أو محاسبة. 

الحكومة تردد كلاما مسترسلا عن الدولة الإجتماعية  و تحد دورها في التغطية الصحية  و تصحيح خارطة تعليمية  و تقديم دعم مالي مباشر. الدولة الإجتماعية يجب أن تشمل حماية المواطن في الولوج إلى العقار  و ليس فقط الإعلان عن تقديم دعم مالي لن يستفيد منه سوى العارف بأمور تجارة العقار.  قد توفر الدولة  9 ملايير درهم  و لكنها لن توفر الحماية ضد مافيا لا تخضع لأية رقابة  و لا يمكن أن تخضع لتفتيش عن الأموال التي تراكمها خارج القانون،  اي ما يسمى بالمال الأسود،  الذي يمكن بعض المستثمرين العقاريين من استضعاف الباحث عن سكن  و من التهرب الضريبي. و تأتي وزيرة البام بمشروع دعم دون دراسة للاستهداف  و دون إجراءات مصاحبة لمن يتوقع أن يستهدفهم هذا المشروع. و لزيادة التوضيح يجب التأكيد على أن الدعم المبرمج لن يهم العالم  القروي  و لن يمكن الفئات الهشة من الإستفادة  و لن يحمي من يريد شراء منزل في إطار القيمة المالية التي تكلمت عنها الوزيرة البامية. 

قراءة  المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية تتفرد بكونها فضفاضة  و تكون قد كتبت بسرعة لا تنم عن صعوبة الوضعية التي يعرفها المغرب.  و سوف يكشف  الواقع عن ضعف الحكومة في التعاطي مع القضية الإجتماعية  و مع تدهور القوة الشرائية للطبقة الوسطى. 

كان أغلب المغاربة ينتظرون مناقشة قانون المالية بشغف  و بانتظارات مشروعة لفئات اجتماعية كثيرة.  كان البرلمان يلعب دوره  و خصوصا اقطاب المعارضة.  يدخل مشروع هذا القانون إلى القبة يوم  20 أكتوبر طبقا لمقتضيات قانون المالية.  و يكون هذا اليوم بداية نقاشات عميقة  و سجالات  و حتى سوء فهم عدد من البرلمانيين ، و حتى  وزراء لكثير من المقتضيات الضريبية  و الميزانياتية.  و لكن النقاش كان جديا بالنسبة لما نعرفه اليوم.  سألت بعض البرلمانيين و أكدوا لي أن النقاش أصبح بسيطا  و غير مرغوبا فيه من طرف أغلبية تبدو كأنها الممسكة بقول الحقيقة المطلقة  و بمظهر الأغلبية المطيعة لكل الأوامر التي تصدر إليها من طرف قيادة الحكومة.  و هكذا تضيع الثقة في قدرة البرلمان للدفاع عن حقوق المغاربة في إمكانية تنزيل العدالة الضريبية  و عدالة توزيع موارد البلاد  و المضي قدما في تنزيل شعار ” الدولة الإجتماعية “.  كتب صاحب القلم عن الزلزال  و الصحة  و التعليم  و الصحة ما جاء في تقارير سابقة.   

و يبقى الأمر المهم أن الدولة ستقوم  بصرف  أكثر من  600 مليار درهم  مع تخصيص 63 مليار درهم لتسديد أقساط الدين  و حوالي  38  مليار درهم  كفوائد.   سنضطر إلى تمويل تحملات كبيرة من  الميزانية عبر الاستدانة بمبلغ  يتجاوز  123 مليار درهم .  و كل هذه المعطيات ترافقها مقتضيات ضريبي  و جمركية قد تكون  في ظاهرها  محاولة لزيادة التمويل  الداخلي للميزانية،  و لكنها ستزيد من  الضغط على الطبقة الوسطى. سنرى كيف سيتم  الخلط بين أصحاب الدخول المتوسطة  و أصحاب  الملايير التي تستفيد من أموال المقاصة.  و ألله  أعلم  بردود الأفعال. 

 

قبل سنين،  كانت الحكومة تجد صعوبات كبيرة في تمرير مقتضيات ضريبية  و أخرى تتعلق بتوزيع الاعتمادات على القطاعات.  كانت الإجتماعات داخل اللجنة المالية  و اللجن القطاعية تعرف الكثير من التجاذبات  و النقاشات ذات الطابع الاجتماعي و الإقتصادي.  اليوم  أصبح من الممكن التكهن بالموافقة على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة خلال أيام.  برلمانيو اليوم  و خصوصا منهم المنتمون لفرق الأغلبية الكبيرة جدا جدا جدا  و ألله يعلم كيف أصبحت كبيرة جدا جدا جدا. كانت جلسات البرلمان داخل اللجن  و في الجلسات العامة  تستمر حتى الليلة الأخيرة من السنة.  اما اليوم فالسرعة أم المواقف  و يكاد  الذكاء الاصطناعي أن يقوم بكل الأدوار السياسية في مجال قانون المالية.   أصبح المصبوغون بألوان الأحزاب عشية تعيينهم على  رأس وزارات غير مهتمين بالسياسة و لا بإعادة التوازنات الإجتماعية المرتبطة بالسلم الإجتماعي.  المهم بالنسبة لهم هو المرور بسرعة  و تخطي الأسئلة ذات البعد الإجتماعي الإستراتيجي  و حتى الكثير من القضايا المتعلقة بالسيادة الغذائية  و الطاقية. و لن تجد لديهم أي حل مثلا لقضية لاسامير  و العمل على خلق بنيات صناعية في مجال تكرير  النفط.

لا تستغربوا إن أنتهت كل أشغال البرلمان بغرفتيه  و تم رفض التعديلات بالأغلبية  و التصويت على كل  ما أتت به الحكومة بالأغلبية الاستثنائية التي نعيش  في ضعفها اليوم. سيضحك كثيرا مهندسو القانون التنظيمي للمالية حين سيكون شهر نونبر شهر نشر قانون المالية لسنة 2024 في الجريدة الرسمية.  ” باي باي ” للنقاش حول الفرضيات الماكرواقثصادية  و التأثير المنتظر للتدابير الضريبية على القدرة الشرائية للأسرة  و على المقاولة  و على الميزان التجاري.  

يومنا فرض اختصار الوقت السياسي.  هذا مؤشر عن الأخطار المحدقة بالوطن.  من لم يعرف المعنى الحقيقي للسلم الإجتماعي لن يعرف أبدأ قواعد التعامل مع المؤسسات.  لقد أكثر كثير من أصحاب الرأي  و القرار في التهويل من خطورة إشراك المجتمع المدني في التغيير.  و لكن أبناء المغرب  يحترمون قوانين التاريخ  في كل زمن.