آخر الأخبار

احداث الهند الدامية و مسلسل العداء للمسلمين- 4 –

*عبد الله العلوي

كان تأسيس سلطنة دلهي الإسلامية أهم مرحلة من مراحل التوطين الإسلامي الدائم في الهند ومنطلقا لنشر الإسلام في باقي المناطق، رغم أن الانتشار الإسلامي، واجه صعوبات عديدة، فالسلطة الناشئة، واجهت عداءا من جيرانها أصحاب العقائد الأخرى، مع التذكير بكون الهند آنئذ، كان تحفل بدول، وإمارات قوية، تمتلك جيوشا ضخمة، و “دبابات” ذلك الزمان الفيلة، بالإضافة إلى الصراعات على السلطة بين المسلمين أنفسهم، داخل المؤسسة الحــاكــمــة في السلطنة، وقد عاشت سلطنة دلهي الإسلامية، حوالي 3 قرون 1193 – 1526 عرفت اتساعا في النفوذ وفي أراضي السلطنة مركزيا حتى البنغال، وتقلصا أحيانا في النفوذ والأراضي بما لا يتجاوز ضواحي دلهي، حتى أنه في مرحلة سنوات محمد شاه الأخيرة، في الحكم، وهو أهم إمبراطور هندي في هذه المرحلة، حكم ما بين 1320 – 1351 واتسعت إمبراطوريته شرقا وجنوبا وشمالا، في مراحل حكمه الأخيرة، كان المواطنون يتندرون قائلين ” خوند عالم من دلهي إلى بالم ” وهم يقصدون أن سيد العالم لا تتجاوز سلطته بالم، وهي ضاحية قريبة جدا من دلهي.

             لقد كان أهم مشكل داخلي واجهته السلطة الأولى، التي أطلق عليها من بعض المؤرخين، المرحلة الأفغانية، العداء المستحكم بينهم وبين إمارات الهندوس، والصراع الداخلي بين السلاطين وأبنائهم، ثم أعدائهم، واغتيالهم من طرف النخبة الحاكمة نفسها.

          وعانت السلطة أيضا من خوف مستمر، من أعداء خارجيين خاصة المغول، الذين هددوا السلطة بحملات كانت تواجه في السند، وأحيانا كانت سلاطين دلهي ينتقلون بأنفسهم لمواجهة هذه الغارات، التي اشتدت بعد غزو تيمورلنك لدلهي في 1398. وكان القرن الخامس عشر إيذانا بنهاية سلطنة دلهي، التي عانت ضعفا عسكريا واقتصاديا، انتهى بتولي المغول بصفة نهائية السلطة في دلهي، وبالتالي الهند الإسلامية في 1526 على يد بابر، الذي فشل من قبل في توطيد سلطته على دلهي. هناك مراحل حاسمة في تاريخ سلطنة دلهي الإسلامية الأولى، فمن 1193 تاريخ سيطرت قطب الدين أيبك على دلهي وقبلها في 1186 على لاهور، واغتيال شهاب الدين أو ” معز الدين “ في 1206 مما أدلى عمليا إلى استقلال الهند عن مركزها الغزنوي في أفـغــانســتــان. وبعد قطب الدين أيبك الذي توفى في 1216 ، تولى عرش السلطنة الوليدة شمس الدين التوتمش، الذي أسس عائلة حاكمة إسلامية في الهند. وحاول مواجهة مشاكل السلطنة المعقدة خلال العشرين سنة، التي جلس فيها على عرش السلطنة، إلى أن وفاته في 1236 أدت إلى صراع بين أبنائه على منصب السلطنة.

           المرحلة الأخرى الأهم، هي مرحلة السلطان علاء الدين، الذي أسس هو الآخر سلالة عائلية، لم تنجح في الاستمرار بعد وفاته ونفس الأمر كان مصير باقي العائلات، سواء ذات المنشإ التركي أو الأفغاني أو الهندي. والأمر راجع لكون مركز القرار السياسي والعسكري كان السلطان والمؤسستين الدينية والقضائية، التي كان موقفها أحيانا، يتعارض مع رغبات السلطة، إلا أن المؤسستين لم تكن لهما استقلالية عن شخص السلطان، الذي يستمد سلطته الإسمية من الدين ومن الخلافة العباسية، باعتباره حاكما باسم الخليفة أمير المؤمنين، وكان سلاطين دلهي الإسلامية ــ وحتى أثناء غزوات محمود الغزنوي الذي أنعم عليه الخليفة العباسي بلقب يمين الدولة ــ يرغبون في التعيين الخليفي لهم للخليفة العباسي، لأن ذلك يكسبهم حصانة ومكانة دينية زائدة، في مواجهة خصومهم من الإسلاميين. وكانوا أحيانا يبعثون بخراج وهدايا للخليفة في بغداد. ورغم الطابع الإسمي للتكليف الذي يبعثه الخليفة، فإن ذلك كانت له أبعـــــاد معـنــويـــة، لدى سلاطين دلهي، يعطي شرعية للمجالس على عرش السلطنة. 

           وقد حاول الفاطميون والإسماعيليون، الدخول على الخط بعد تأسيسهم دولة في مصر، والاتصال بالسلطــنـــة عــن طريق بعث خطابات تكليف، إلا أن مذهبية سلطنة دلهي الحنفية / السنية وكراهية خلفاء بني العباس للإسماعيلين، أدت إلى فشل الإسماعليين، في كسب ود سلاطين دلهي، بل إن جيوش السلطنة كانت تحارب وبشكل لا هوادة فيه أي نشوء لدويلة إسماعيلية، وبالتالي أي مذهب غير المذهب السني. وإذا كانت علاقة سلاطين دلهي الإسلامية مع المسلمين من غير السنيين على هذا الشكل فكيف كانت علاقتهم مع رعاياهم الهندوس؟.

           اختلف تعامل ملوك السلطنة مع الهندوس، وإن كان الطابع العام هو أن نفس المعاملة التي يلقاها الرعايا المسلمون، يلقاها الرعايا من الهندوس، ومع كون الوظائف السياسية في الأغلب كان يتولاها المسلمون، إلا أن أداء الواجبات المالية سواء كانت خراجا أو زكاة كان ملزما للجمـيــع بـهـــا، كذلك المعاناة التي عاناها المسلمون، والمعارضون منهم خاصة كان يعانيها الهندوس أيضا. إلا أن هناك ملوكا تعاملوا مع الهندوس بشكل أكثر ودا وقربا، وأحيانا قلدوهم وظائف سامية، أما الخدمة العسكرية فكانت ملزمة لجميع الرعايا، من المسلمين والهندوس في جيش، يقوده المسلمون، وكان بعض المسلمين جنودا في جيوش الهندوس، وقد التقى ابن بطوطة ببعض المسلمين في عصابات وجيوش الهندوس، والمعارضين للسلاطين في دلهي ولاحظ وجود هندوس في جيش السلطنة، وأشار إلى أن الهندوس كانــوا يسـتـقـبـلــــون من طرف حرس السلطان، أثناء الاستقبالات الملكية بالقول ” هداك الله “، وقد لاحظ أيضا أن محمد شاه عين أحيانا ولاة من الهندوس، رغم معارضة النخبة الإسلامية المكتومة6 . والمفاجأة التاريخية في سلطنة دلهي تولي سيدة منصب السلطان، وهي أول سلطانة في تاريخ الإسلام، إلا أن مصيرها كان مأساويا… لكن مصير السلاطين الذين جاءوا بعد السلطانة راضية بنت شمس الدين 1236 – 1240 لم يكن مختلفا عن مصير أول سلطانة مسلمة في التاريخ الإسلامي،فعدد كبير من السلاطين في هذه المرحلة تم اغتيالهم أو الإنقلاب عليهم.

              وكان عدم الاستقرار هذا وتوالي الأسر الحاكمة، واغتيال السلاطين، والانقلاب عليهم، والإفلاسات، التي عانت منها خزينة الدولة نتيجة لهذه الصراعات، واحتياج كل سلطان لأموال لشراء الأمم، وتجهيز الجيوش، وبالتالي إثقال كاهل الشعب والفلاحين على الأخص بالضرائب التي وصلت أحيانا إلى  50 % وهو الحد الأقصى المقبول شرعا في مذهب أبي حنيفة النعمان 700 – 767 م الذي أخذ به مسلمو الهند في غالبيتهم