آخر الأخبار

يا وزيرة السياحة… لن تصبحين رئيسة حكومة 

إدريس الاندلسي 

السياسة القطاعية في مجال السياحة و الصناعة المغربية المتعلقة بفنوننا الحضارية و التي نسميها ظلما بالصناعة التقليدية، تحتاج إلى الكثير من الثقافة السياسية و معرفة بالتاريخ و بالحضارات و بذكاء إجتماعي من النوع الرفيع. رجال و نساء “الصناعة التقليدية ” و زملاؤهم في مجال السياحة لهم من التجربة و الخبرة و المعرفة ما يتجاوز نظرة بعض الوزراء إلى هذين القطاعين.

قضت وزيرة السياحة عطلتها في جزيرة زنجبار التي كانت تابعة لسلطنة عمان، و استمتعت، و هذا من حقها كمواطنة، بجمال الشاطىء الجميل لهذه الجزيرة التي لا زالت محافظة على طابعها العماني. و للتذكير المفيد فبعد نهاية الإستعمار البريطاني لطانكانيكا تم ضم جزيرة زنجبار إليها و أصبح إسم البلاد مركبا “طان+ زانيا “. و من زار هذه البلاد يقف على الفرق الكبير بين سكان دار السلام العاصمة و ثقافة و تقاليد سكان زنجبار. أتمنى أن تكون وزيرة السياحة قد اطلعت على تفاصيل مكونات تاريخ الحضارة المغربية عبر التاريخ. و أتمنى أن تتعاطي مع مكونات “الصناعة التقليدية ” بكثير من التواضع من خلال الإستماع إلى “المعلمين ” الكبار الذين كانوا يحظون بالعناية الملكية منذ عقود كثيرة. من منا لا يتذكر تلك النقاشات العميقة و الفنية بين المرحوم الحسن الثاني و المعلمين الكبار خلال بناء معلمة مسجد بني فوق الماء.

السيدة الوزيرة أجابت على منتقديها باستعمال أسلوب المقارنة. و هذا أسلوب زاد الطين بلة. رئيسة وزراء فلندا شابة رقصت في حفلة خاصة و هذا من حقها. و اثبتت أنها لم تتعاطى يوما أية مخدرات و هذا يهمها و يهم بلدها. إن كانت قد كافحت من أجل تحصيل علمي بعرق جبينها و وصلت بالعلم و بالالتزام السياسي فهذا ما نريده لبلادنا. المشكل أن أمثال وزيرة السياحة في بلادنا يصلون إلى الوزرات بالمظلات. وإن سألتهم عن التاريخ و الجغرافيا و الآداب و الفن و التعبيرات الجهوية، اجابوك بلغة أجنبية أو كلفوا مكاتب دراسات أقل خبرة للإجابة بدلهم. هذا ما أغضب فناني الصناعة المغربية الأصيلة حين تم استدعاؤهم من طرف الوزيرة و حضروا و لم تحضر الوزيرة. و قيل لهم أن مكتبا استشاريا سيعلمهم كيف يمكن تسويق منتجاتهم. قضية التسويق هي أقدم قضية تمت إعادة مضغها منذ عقود و دون هضمها.

كان من الشجاعة يا وزيرة السياحة أن تدافعي عن إختيارك الحر لقضاء عطلتك في أي مكان في العالم. كان عليك أن تقولي بصدق أن المنتوج السياحي المغربي لا يرقى إلى ما تنتظرينه من مقاييس الجودة و هذا من حقك. كان عليك قبل قبولك للمنصب أن تتعرفي على ما يتطلبه منصب سياسي من إستعداد فكري و مهني لا يتطلب المبالغة في الابتسامة أمام الكاميرات و لكن الكثير من الفعل و التعاون مع العاملين في القطاع. و لهذا كان اللجوء إلى حكاية الوزيرة الأولى لفنلندا غير موفق. و للعلم فإن وزراء هذه البلدان يخضعون لعدة شروط و على رأسها العيش وسط المواطنين و عدم إستعمال السيارات الفارهة للوصول إلى المكتب و الإلتزام بالحضور إلى العمل كباقي الموظفين. وزيرة أولى أو وزير أولى في شمال أوروبا يعيش كمواطن دون امتيازات و لا قدرة له على قضاء عطلة في زنجبار.

تمنيت لو تركت وزيرتنا في قطاع السياحة و باقي القطاعات الموكلة إليها مثال ما يقع في دول الشمال و اهتمت بواقع أمرنا و تعقيداته. قطاعي السياحة و ما يسمى بالصناعة التقليدية يحتاجان إلى امتلاك الكثير من المفاتيح. لو سألنا أهل الملحون الذين كانوا، في أغلبهم، صناع تحف مغربية أصيلة لأجابوا بلسان بن علي المالكي صاحب قصيدة فاطنة ” الجهال بقات هايمة ” على كل من لا يفهم ثقافة مغربية أصيلة توثق للفعل المبدع و للشعر الأصيل و للتدبير الحكيم العارف بطرق المحافظة على الكنوز و تثمينها عالميا. مع الأسف زحف بعض التقنوقراط على الفعل الثقافي و السياسي و على الرأسمال المادي و اللامادي، دون سلاح ،فكان لهم موعد مع رداءة في الأداء و غرور في الظهور و هروب أمام ضعف النتائج. رحم الله عبد الله غرنيط أحد الذين اوصلوا المنتوج المغربي إلى الأسواق العالمية و رحم الله مولاي أحمد العلوي الوزير الذي لم يترك الكرسي لأحد، و الذي كان، رغم كل شيء، أحد صناع الإقبال على المنتوج السياحي المغربي. بلدنا له تاريخ و رأسمال حضاري متراكم و لم يعرف أية انطلاقة من الصفر.