آخر الأخبار

واقع الأشخاص في وضعية إعاقة في تنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح

تضطرنا الندوة التي عقدها السيد سعيد أمزازي- وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ،بحضور السيد محمد الغراس كاتب الدولة المكلف بالتكوين المهني ،والمتضمنة لحصيلة قطاع التربية والتكوين ،وقطاع التكوين المهني ،وقطاع التعليم العالي – للتذكير بالدعامة 14 من ميثاق التربية والتكوين ،وبندها 142 ،وكذا بالرافعة الرابعة في الرؤية الاستراتيجية وبنودها الثلاثة 12-13-14 .

يشير البند 142 من الدعامة الرابعة عشرة : تحسين الظروف المادية والاجتماعية للمتعلمين والعناية بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة ،وعنوانه العناية بالأشخاص ذوي الحاجات الخاصة قائلا :”رعيا لحق الأشخاص المعوقين أو الذين يواجهون صعوبات جسمية أو نفسية أو معرفية خاصة ،في التمتع بالدعم اللازم لتخطيها ،تعمل سلطات التربية والتكوين ،على امتداد العشرية الوطنية للتربية والتكوين ،على تجهيز المؤسسات بممرات ومرافق ملائمة ووضع برامج مكيفة وتزويدها بأطر خاصة لتيسير اندماج الأشخاص المعنيين في الحياة الدراسية ،وبعد ذلك في الحياة العملية .

ويتم كذلك فتح المعاهد والمدارس المتخصصة في هذا المجال ،بشراكة بين سلطات التربية والتكوين والسلطات الحكومية الأخرى المعنية ،والهيئات ذات الاختصاص على أوسع نطاق ممكن .”

وتشير الرافعة الرابعة بعنوان تأمين الحق في ولوج التربية والتكوين للأشخاص في وضعية إعاقة أو في وضعيات خاصة من الفصل الأول “من أجل مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص “إلى البنود الآتية :

12 –إدماج الأطفال المعاقين في المدارس لإنهاء وضعية الإقصاء والتمييز ،أخذا بالاعتبار نوعية الإعاقة ،مع توفير المستلزمات الكفيلة بضمان إنصافهم وتحقيق شروط تكافؤ فرصهم في النجاح الدراسي إلى جانب أقرانهم .

13-تربية وتكوين الأشخاص في وضعية إعاقة ،أو في وضعيات خاصة من خلال :

-وضع مخطط وطني لتفعيل التربية الدامجة للأشخاص في وضعية إعاقة ،أو في وضعيات خاصة ،على المدى القريب ،يشمل المدرسين ،والمناهج والبرامج والمقاربات البيداغوجية ،وأنظمة التقييم والدعامات الديداكتيكية الملائمة لمختلف الإعاقات والوضعيات ،على أن يتم تفعيل هذا المخطط على المدى المتوسط .

-تكوين مدرسين متمكنين من التربية الدامجة ،وإدراجها ضمن برامج التكوين المستمر للأطر التربوية ،وتوفير مساعدين للحياة المدرسية .

-تكييف الامتحانات وظروف اجتيازها مع حالات الأشخاص في وضعية إعاقة . 

-تعزيز الشراكة مع القطاع الحكومي المكلف بالصحة ومع المجتمع المدني ،قصد إحداث وحدات صحية متعددة الاختصاصات ،لتشخيص وتتبع حالات الإعاقة بين المتعلمين والمتعلمات وتمكينهم مما يلزم من رعاية طبية .

-الانفتاح على شراكات أكاديمية مع مؤسسات أجنبية في سياق إرساء تكوينات في هذا المجال ،بمؤسسات جامعية مغربية من قبيل كلية العلوم .

14-إدماج محاربة التمثلات السلبية والصور النمطية عن الإعاقة في التربية على القيم وحقوق الإنسان ،وفي الإعلام بمختلف أنواعه وقنواته .

لماذا التذكير ،والوقوف تحديدا عند هذه البنود بالصيغة الحرفية التي وردت بها في الميثاق الوطني باعتباره مرجعية ،والرؤية الاستراتيجية باعتبارها تجاوزا لما وقع في الميثاق من اختلالات . يبدو الجواب بسيطا إلا أنه يحمل في أحشائه العديد من المؤشرات والتي سنترك الحكم لها أوعليها إلى حين بسط بعض المعطيات .

أمر إيجابي أن يعقد السيد الوزير ندوة موضوعها الحصيلة المرحلية للسنوات الماضية ،للتدليل على عيون الوزارة المترقبة والمراقبة والمتتبعة لما أنجز ،وما لم ينجز ،أو في طريقه نحو الإنجاز ،لكن لتتسم الحصيلة بطابع الموضوعية كان الأجدر بها أن تتضمن الفصول الأربعة للرؤية الاستراتيجية برافعاتها الثلاثة والعشرين ،بمعنى آخر أن تكون حصيلة شاملة ،كما كان الأولى بها أن تستعرض إلى جانب النتائج الإيجابية الجوانب السلبية في عملية التنزيل ،مما يرتبط على سبيل المثال بضعف الإمكانيات ،أو عدم كفاية الموارد المالية أو الموارد البشرية ،إلى ما هنالك من مقتضيات العملية إياها ،وهذا ما لم نجد له أثرا ،مما يدل على استمرارية نفس الخطاب خطاب التبريك والتمجيد الهارب نحو الأمام ،والخائف الخجل من واقعه ووصفه كما هو دونما أصباغ ومساحيق .

يخلو حديث السيد الوزير في القطاع الأول خلوا تاما مثيرا للانتباه من الدعامة الرابعة عشرة ،والتي تحولت إلى الرابعة ( لنلاحظ بهذا الصدد التقدم الحاصل على مستوى التراتبية والأولويات ،وكذا البنود من بند واحد إلى ثلاثة بنود ) فما أسباب هذا الصمت المريب ؟ هل الحصيلة كانت هزيلة أو محتشمة ،هل واقع ذوي الاحتياجات الخاصة يتجاوز وزير التربية إلى وزارات أخرى ،ماذا أنجز من قبل وزارة التربية والتعليم ،وهل وفت بقية الشراكات الأخرى بمتطلباتها في الملف ،هل فعلا وصلت هذه الفئة من شرائح مجتمعنا المغربي إلى العناية اللازمة والمعلن عنها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ 1975 ،ما المراحل التي قطعتها الوزارة في ما يسمى بتيسير الاندماج ؟أسئلة عديدة وغيرها كثير  مما يندرج ضمن انتظارات أسرنا المغربية والتي لا يهمها من ندوة السيد الوزير إلا ما يرتبط بواقع أبنائها وبناتها وما تعانيه معهم من معاناة ومشاكل الإعاقة ،إذ هي كالغريق الذي لا تسعده الأسماك من حواليه ،بقدر ما يهمه الانتشال من الغرق .

ولكي لا يتسم الحديث بطابع التعميم المرتبط بأنواع الإعاقات المصنفة ضمن الذهنية العميقة والذهنية الشديدة والذهنية المتوسطة ،سأقتصر على ظاهرة أعتقد بأن علماء التربية لا يدرجونها ضمن حالات الإعاقة بقدر ما يعتبرونها صعوبة من صعوبات القراءة إنها ظاهرة عسر القراءة أو ما يعرف بالديسليكسي                        وضمن هذا الإطار أسائل السيد الوزير في التعليم ومنه إلى السادة الوزراء في القطاعات الأخرى المعنية ،هل لديهم إحصاءات دقيقة رصدت هذه الحالة ،،وهل هناك تطوير وتحيين للبحوث الوطنية حولها ؟وماذا عن المقاربات المعتمدة في هذا الإطار ؟

 ركزت على هذه الظاهرة الخاصة تحديدا ،وانطلاقا من حالات أسرية بعينات واقعية ،لأنقل ما ورد على ألسنتها من أننا لازلنا بعد لم نهيء ما بإمكاننا أن نعتمده لإدماج هذه الفئة كما ينص على ذلك البند 12 ،فما بالنا بغيرها ممن هي أشد وأعمق معاناة ،فأين نحن من مدرسين مختصين ومؤهلين للتعامل مع ظاهرة عسر القراءة ؟وأين نحن من المشرفين التربويين المؤهلين لتتبعها ؟وأين نحن من علماء الاجتماع الذين سيتعرفون على الظروف الاجتماعية والعلاقات الأسرية لهذه الفئة من الأطفال ؟وأين نحن من المختصين من الأطباء النفسيين المحددين للظاهرة ؟ ماذا نملك من مراكز تقويم النطق وما ذا أعددنا من مقومين ؟ وما هي نسب المروضين الطبيين ؟هل تمتلك الأكاديميات مراكز خاصة لهذه الفئة ؟ ما نسبة الذين أدمجوا في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي ؟

إن ما يوجد في بعض المدن من مدارس لا يقدم حلولا لهذه الفئة نتيجة: من جهة لارتفاع تكلفة التدريس ،ومن جهة ثانية لتوفرها على أقسام تشهد مزجا لمجموعة من الإعاقات المختلفة بغض النظر عن الخصوصيات المميزة لها ،ومن جهة ثالثة هي نتاج جهود جمعيات آباء وأولياء هؤلاء التلاميذ ،الذين لم يجدوا بعد معاناة  سنوات التعليم الابتدائي أي فضاء يحتوي أبناءهم غير فضاء بيوتهم ومنازلهم ،مفهوم الدولة بالنسبة إليهم غائب ،ونفس الشيء بالنسبة لمفهوم الوزارة ،المعاناة مضاعفة : طرفها الأول سوء فهم الظاهرة وإدراجها ضمن الإعاقة ،وجانبها الثاني الإحساس بالتهميش والإقصاء . كيف تستوعب هذه الفئة صحبة أسرها شعار مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص وتحقيق المساواة في الولوج ،وإلزامية التعليم وتعميمه ،إنها بالنسبة إليهم شعارات لا تحمل من الصدقية ولو نسبا متدنية يمكن الاطمئنان إليها . ماذا عن المخطط الوطني في البند 13 لتفعيل التربية الدامجة في مداه القريب ؟أين وصلت مستويات الشراكة مع القطاع الصحي والمجتمع المدني ؟وما حصيلة محاربة التمثلات السلبية عن الإعاقة ؟

أسئلة لم نجد لها أجوبة ولو مقارِبة في ندوة السيد الوزير ،مما يدل على أن السنوات الأربع من عمر الرؤية الاستراتيجية لم تنجز شيئا يذكر في هذا المجال .أسئلة نأمل أن تحرك المياه الآسنة لتنكشف حقيقة ما تخفيه روائح نتنة .

عبد الصادق شحيمة