آخر الأخبار

ندوة يوم 100 : بين استمرار الوعود وغياب التنزيل

إدريس الأندلسي 

مرت شهور ثلاث وعشرة أيام من عمر حكومة الأحزاب الثلاث برئاسة عزيز أخنوش. أراد الرئيس أن يتواصل حول البدايات وأن يشغل المجال السياسي الذي لاحظ متتبعوه نوعا من غياب القيادة. واختار الرئيس أن يتكلم عن 100 يوم، بدعة جميلة وحيلة أيضا لتأكيد الحضور والوعود وتذكر صعوبات التنزيل.

الفترة التي نجتازها صعبة وتلقي بثقل انتظاراتها على المسؤول السياسي، المواطنون الذين صوتوا للأغلبية وصدقوا وعودها ينتظرون النتائج وكل ما جاء في البرنامج الحكومي، الشغل والصحة والتعليم وإصلاح العدل والإدارة وتكثيف الاستثمار المنتج. جاء قانون المالية بمصاريف ستنفذ خلال السنة تفوق 500 مليار درهم و موارد لا تكفي لتغطيتها. موارد الضريبة و بعض المقاولات العمومية تتجاوز قليلا 250 مليار درهم مقابل مصاريف جارية أي مقتصرة على التسيير و لا تتضمن الاستثمار قد تتجاوز 270 مليار درهم.
ورغم صعوبة التمويل أصر السيد رئيس الحكومة على تأكيد عزمه على تنفيذ كل ما ورد في البرنامج و في قانون المالية. و أصر أن مفهوم الدولة الاجتماعية يرتبط بقطاعات ثلاث هي الصحة و التعليم و الشغل مشيرا أن صاحب الجلالة أعطى لهذا الجانب أهمية كبرى. من البديهي التذكير بما خصه جلالة الملك للجانب الاجتماعي لأنه اضطلع و تشبع بثقافة التضامن منذ أن كان وليا للعيد. و كانت قراراته الأولى و المتتالية موجهة إلى المجال الاجتماعي و حاملة ثقافة جديدة في مجال الحكامة. ورغم كل هذا الرصيد لم يتم الكلام عن الدولة الاجتماعية. و أصر ملك البلاد على متابعة السياسات الاجتماعية وانتقدها في مراحل عدة ووجه بعدم تشتيت الجهود والبرامج.
و للعلم فمفهوم كهذا ذو طابع إيديولوجي. فلا يمكن أن نصف القطاعات بالدولة لأن هذه الأخيرة اقتصادية وتجارية وثقافية وأمنية وتشمل كل شيء يهم الأمة المغربية في تنوعها وجغرافيتها.

كان التصريحات الأولى لعزيز أخنوش مليئة بالطمأنينة على تكوين الفريق الحكومي. فحسب قوله لا يوجد في الفريق ذوي القربى وأن المهم هو المنتج النهائي. أكد أخنوس أنه لا يريد أن يظهر كثيرا ولكنه يريد أن يعمل كثيرا. و هنا يصبح التساؤل عن العمل الكثير ملتصقا بالإنتاجية وبالنجاعة وهذا ما ينتظره المواطنون. و رغم حدة الأسئلة حول جواز التلقيح و ظهور اكتساح المتحور اوميكرون، لم يعط رئيس الحكومة أي معلومات أو مجرد إمكانيات اتخاذ قرار على المدى القصير أو المتوسط. وأرجع الأمر إلى اللجنة العلمية التي تحدد مستوى الخطورة وما يجب اتخاذه من تدابير احترازية.

ولم يفت رئيس الحكومة من الإشارة إلى وجود تفاؤل كبير خلال الأسابيع المقبلة. قد نتفهم تحفظ السيد اخنوش بوصفه مسؤول سياسي ولكن الوضع الاجتماعي و الآثار الكارثية التي تكبدتها كثير من الأسر و العاملين بقطاع السياحة و بقطاع الصناعة التقليدية تتطلب كثيرا من الوضوح و الجرأة السياسية. ورغم مبلغ ملياري درهم المخصص لقطاع السياحة يظل منطق إغلاق الحدود دون التفكير في آليات مراقبة التباعد و الاحتراز الاجتماعي، محدود النتائج و غير ذي جدوى على معالجة جدية لموضوع التعامل الذكي مع انتشار متحور اوميكرون. 2 مليار للسياحة هي مجرد جرعة مسكنة لن يكون لها وقع على القدرة الشرائية، لأن الهدف منها هو مساعدة البنوك على استرجاع مستحقاتها و دفع الضرائب المحلية و مساعدة الفنادق على إصلاح مرافقها التي لم تصل إليها الصيانة منذ بداية الأزمة الصحية.
يفت رئيس الحكومة من الإشارة إلى وجود تفاؤل كبير خلال الأسابيع المقبلة. قد نتفهم تحفظ السيد اخنوش بوصفه مسؤول سياسي ولكن الوضع الاجتماعي و الآثار الكارثية التي تكبدتها كثير من الأسر و العاملين بقطاع السياحة و بقطاع الصناعة التقليدية تتطلب كثيرا من الوضوح و الجرأة السياسية. ورغم مبلغ ملياري درهم المخصص لقطاع السياحة يظل منطق إغلاق الحدود دون التفكير في آليات مراقبة التباعد و الاحتراز الاجتماعي، محدود النتائج و غير ذي جدوى على معالجة جدية لموضوع التعامل الذكي مع انتشار متحور اوميكرون. 2 مليار للسياحة هي مجرد جرعة مسكنة لن يكون لها وقع على القدرة الشرائية، لأن الهدف منها هو مساعدة البنوك على استرجاع مستحقاتها و دفع الضرائب المحلية و مساعدة الفنادق على إصلاح مرافقها التي لم تصل إليها الصيانة منذ بداية الأزمة الصحية.

و في معرض رده على ارتفاع الأسعار، أشار رئيس الحكومة إلى ما تم رصده لصندوق المقاصة رغم الموضوع يتجاوز السكر و الدقيق الوطني و غاز البوطان. الأمر يتعلق بقفة الاستهلاك الحقيقي التي تشكل الاستهلاك الغذائي و استهلاك الطاقة و اقتناء الأدوية و التنقل و تكاليف كراء المنازل و غيرها. لهذا لا يمكن اعتبار معدل التضخم مقياسا لتقييم القدرة الشرائية للمواطنين. وحتى لا يزيد الطين بله، انتبه عزيز اخنوش إلى أن الوضع الراهن غير مناسب للكلام عن إصلاح المقاصة.

و تكلم السيد الرئيس على موضوع التغطية الاجتماعية بكثير من الحذر معتبرا أن تنزيله شيء صعب. هناك صعوبات تتعلق بتحديد فئات المستفيدين في القطاع الفلاحي مثلا. و رغم طرح أسئلة محرجة عن صعوبة التمويل و خصوصا ما يتعلق بمساهمة الميزانية العامة، أشار إلى أنه بالإمكان أن تشكل تنمية مداخيل الخزينة المحتملة مصدرا مهما للتمويل. تفاؤل السيد الرئيس يخفي معلومات قد توفرت لديه و لم تدخل في مجال التوقعات المالية الرسمية.

و عن قطاع لم يفت للسيد عزيز اخنوش أن يؤكد عن الدور المركزي الذي سيلعبه المستشفى العمومي من خلال قانون إطار جديد يربط بين الخدمات الصحية و مستوى دخل الأطباء. ولكن أنظمة الفوترة الإلكترونية التي ستساهم في تنزيل القانون الإطار بدأ الكلام عنها منذ إعطاء انطلاق برنامج راميد للتغطية الأساسية.

و عن السنة الفلاحية التي تتميز بقلة التساقطات المطرية، أشار السيد اخنوش بنوع من التفاؤل إلى تراجع مكون الحبوب في بنية القيمة المضافة للقطاع الفلاحي. الخضر و الفواكه سوف تحدث التوازن بالنسبة للحبوب و الماشية. و هكذا نكون قد قرأنا أهم منجزات المغرب الأخضر والجيل الأخضر بعيدا عن الأهداف الأساسية التي تم وضعها منذ سنة 2008.

و بالرجوع إلى موضوع قديم جديد و هو مشكل التوازنات المالية لصناديق التقاعد، أكد عزيز اخنوش على أن هذا المشكل قد يحل خلال الولاية التشريعية دون أية إشارة إلى آليات الإصلاح أو تاريخ البدء فيه. و كان كلامه في الموضوع مثل من سبقوه. سوف يبحث في الإشكاليات و الحلول مستقبلا. و بلغة دارجة أكد أن هذه الوضعية لا “تخلينا ” أي لا تخيفنا.

موضوع إصلاح التعليم والحوار مع النقابات يظهر من خلاله دور شكيب بن موسى في خلق علاقة جديدة مع الشركاء الاجتماعيين وإقناع الحكومة بضرورة الاستجابة لمطالب طال أمد تأجيلها. لكن موضوع 30 سنة للولوج إلى الوظيفة التعليمية يظل على ما هو عليه. وفي هذا الإطار، أكد الرئيس أن من تجاوزوا هذا السن لديهم فرص في قطاعات عمومية أخرى.

أما موضوع التشغيل في شقه المتعلق بملف ” اوراش ” فلم يتوسع فيه رئيس الحكومة واكتفى ببعض المعطيات. المشكل أن هذا البرنامج سيؤسس للهشاشة أكثر. العمل المؤقت هو نوع من الإنعاش الوطني الذي بدأ منذ عقود دون أثر يذكر على سوق الشغل. حذاري فوعود الحكومة في هذا المجال ستنقلب ضدها. فبعد شهور من العمل و توقف تلك المنح و قلة الطلب على إدماج اليد العاملة قد يتحول الأمر إلى مشكل اجتماعي تحمله تنسيقيات يصعب التفاوض معها.

وحين تم فتح المحور السياسي وانسجام الأغلبية، صرح رئيس الحكومة أنه كان ضحية عدم التنسيق خلال الفترة السابقة مع العلم إن حزب العدالة والتنمية قد تخلى له عن تدبير برنامج التنمية القروية. و أكد أن الكفاءات توجد داخل الأغلبية في الحكومة والبرلمان. كما أشار إلى أن الهفوات التي ظهرت من خلال تدخلات بعض الوزراء والنواب سوف تزول مع الوقت مؤكدا أن الشعب قد اختارهم.

وهنا يطرح سؤال كيفية اختيار النخب من طرف الأحزاب. كيف يتم الاختيار وما هي الشبكات الأسرية و القبلية والاجتماعية التي تسيطر على القرار وتؤدي ببلادنا إلى وضع لا نحسد عليه. و في النهاية يمكن اعتبار 100 يوم محطة للتواصل وليس مرحلة للتقييم السياسي والاجتماعي والاقتصادي هي مجرد مرحلة للتواصل مع مواطنين ينتظرون حلولا لمشاكلهم على أرض الواقع في ظل أزمة لم تنتهي بعد.