آخر الأخبار

من يَحْجُب عنا ضوء القمر ؟؟

محمد خلوقي

من المفارقات العجيبة في هذا الوطن العربي وجود فئات مختلفة ، فئة صالحة وبنَّاءة، واخرى طالحة وهدَّامة، وثالثةصامتة وخانعة .
الفئة الاولى تركب الصعب ، وتعتمد على طموحاتها الكبيرة، وجهودها و مجهوداتها وامكاناتها الشخصية وتكويناتها الفريدة، فتَنْحتُ من الاحلام والطموحات والامكانات واقعا رفيعا ومتميزا بالانجازات والنجاحات المشرِّفة ، وعينها على المستقبل وعقلها وقلبها معلق بشرف وعزة وتميز الوطن، حتى صار شعارها ( نموت ويحيى الوطن )،
اما الفئة الثانية ، فصارت لا تتقن الا المراقبة و التربُّص والقنص ،بحيث تتابع الفئة الاولى من وراء الثقب المخفية ، او القُبب المبنية، وتنظر وتنتظر حتى يستوي الزرع ويكتمل إثماره ، ثم تنقَُّض على محصوله ، وتدعيه -دون حياء -الى ذاتها ونفسها المريضة والملوثة بكل اشكال الانانية والتصيُّد و النهب والفساد ، وهي تعلم في قرارة هذه النفس النرجسية انها ما فكَّرت ولا زَرَعْت ولا تعهَّدَت بقدر ما تربَّصت واقتنَصت ، وربما قد يساعدها في ذلك مواقعها وامكاناتها التي تحصَّلت عليها من خلال تحالفات شيطانية ، وتسهيلات خفيَّة ، وهذه الفئة معروف عنها أن آخر همِّها وهوَسها هو حياة الوطن أو عزته أو نجاحه ، فشعارها هو ( نعيش ونحيى ، وليذهب الوطن الى الجحيم ) .
اما الفئة الثالثة والاخيرة فهي التي تصالحت مع الصمت والهَوان ، فئة تستقوي فقط على أشباهها ، ولا تحسن الا التلفظ بادواتها التناسلية ، وإتقان السباب والقذف والتجريح ، وتقضي جُلَّ اوقاتها على كراسي النسيان والهذيان ، والنقد التافه ، تعيش بين تتبُّع سقطات الفئة الاولى ، والانبطاح قهرا لجبروت الثانية .أشجعهم تجده يتحدث همْسا من تحت اللِّثام ، أو ينفجر تأوُّها داخل مرحاضه الوضيع ، انها فئة يطول لسانها ليَطال كل شيء الا قول الحق او مجابهة الظلم ، سيمتها التشكي والتباكي ، والخنوع والخضوع ، وتستطيب أكل لحم بعضها البعض ، لم تفلح لا في تربية نفسها ولا أبنائها ، فتعطَّلت عن اللحاق بركب الفئة الاولى ، وساعدت الفئة الثانية على تعْطيل سير العربة.
للاسف هذه هي حقيقة المفارقة الغريبة في امتنا العربية ،فالامر يشبه أحصنة تجُر العربة بقوة فائقة ومميزة ، لكن من يعتليها ويسوقها لا يستحق شرف ان يقود لا العربة ولا أحصنتها ، إن مثل هذا المشهد يُرى في كل المجالات ، سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، فابناؤنا من هذا الجيل الجديد -من الشابات والشبان -كل يوم يسجلون بمداد الفخر والاعتزاز إنجازات ونجاحات ، وجولات ووبطولات ، ومشروعات واستثمارات في مجالات متعددة كالرياضة ، والفكر والاقتصاد والتعليم والاعلام والسياسة ، لكن للاسف ابتُليت الامة بهذه الفئات المُعَطِّلة ، والمعفَّنة بثقافة الجشع والفساد والافساد ، والذاتية المتسخة، و والمُلجَّمة بسلوك الصمت والخنوع والخضوع ، فأخروا سير القافلة ، وصاروا كغيمات تحجب عنا نور القمر .
فسفينة الوطن العربي التي كُتب لنا ان نعيش ونحيا على متنها – على اختلاف وتنوع فئات ركابها – لم تعد تحتمل -اليوم -عمليات الطَّرْق ومحاولات الخَرْق ، لان هذا الفساد والخنوع ، والاستهتار ، وعدم المسؤولية قد يعرض الامة الى خطر الغرق والإبادة الجماعية من على وجه الحضارة الانسانية الحقة ، ولهذا فالتغيير والنهوض صار ضرورة مُلِّحة
وأعتفد جازما ان رجاء تحقق هذه النهضة والاقلاع والاشعاع سيظل ممكنا و قائم التحقق ، لكنه مشروط – يقينا –  بمعانقة ثقافة المحاسبة، والإدانة، وتشجيع العاملين المخلصين ، والحضور الحقيقي لدولة الحق والقانون والتفعيل الصادق لاهم شعار هو ان ( الوطن أمانة ومسؤولية في عنق الجميع ، ومن أجرم في حقه لا يرحم )
نعم ، إن حلم التغيير والاقلاع والنهوض – الان – قد يبدو للبعض أمرا صعبا ، لكنه ليس مستحيلا مستقبلا ، لان زمن ووضع الغيْمات مُتحرك ، ولا بد زائل ومُنْقَشِع ، وضوء القمر أصل ثابت، لابد عائدٌ ٌومُشِعٌّ.