آخر الأخبار

ملاحظات أولية حول سؤال الماركسية اليوم

أولا:الثورة المعرفية والعلمية والمعلوماتية والتواصلية. مجالات هذه الثورات وأبعادُها لا حدود لها. ومن بين نتائجها ، أنها عمقت معرفتنا بأغوار الذات البشرية من جهة، ومن جهة ثانية ولعل أخطرها، أنه صار بالإمكان علميا اصطفاء مكونات الإنسان البيولوجية والوراثية والذهنية واستنساخ غيرها. ومن بينها، أنها أضفت على الذات الفردية بعدا كونيا افتراضيا بـ “تصفيرها” للزمن والمسافة. وأدخلت تغييرات نوعية على ميادين الإنتاج جعلت من العلم يتسارع في خدمة التكنولوجيا كقوة منتجة، تقلص الحاجة إلى قوة العمل مع تركيز الحاجة إلى العمل الذهني. وعلى المستوى الاجتماعي جعلت من الفرداوية قيمة مطلقة ومن العقل الأداتي والنفعي أيديولوجية العصر. ليس هذا جردا لأبعاد هذه الثورة، وإنما هو إشارة تذكيرية ببعض أبعادها.

ثانيا: لم تعد الرأسمالية وطنية تنافسية، في الداخل والخارج، كما كانت إلى حد كبير في عهد ماركس. فالنظام الرأسمالي اليوم معولم وممأسس. يقوم من جهة، على مؤسسات إنتاجية متعدية الجنسية، سواء في أصولها الوطنية أو في انتشارها الجغرافي أو في نوعية تقسيم العمل وتكامله بداخلها. ومن جهة ثانية، يقوم على هيمنة الرأسمال المالي المصرفي والمضارباتي والنقدي (أي الدولار كعملة أساس) ويقوم من جهة ثالثة على دور كبير، إن لم يكن الأكبر، على التبادل التجاري، أي على سوق عالمية ماضية في تكسير الحواجز الجمركية بينها (على الرغم من الحرب التجارية الحالية المؤقتة). وعائقها الأكبر التبادل الحر لليد العاملة، كما هي السوق الكاملة. ومن هنا تأتي أزمة الهجرة المرعبة لهذا النظام الذي يستولدها ويخافها شوفينيا وعنصريا.

والظاهرة الأخرى الأبرز لهذه العولمة، أنها ممأسسة، لها أدواتها العالمية التي تدافع وتصون مصالح الرأسمالية وتخطط لها على المدى البعيد. ومن مؤسساتها (صندوق النقد الدولي وبنك الإنشاء والتعمير والمنظمة العالمية للتجارة) وللتنسيق الاستراتيجي مع حساب التناقضات البينية (مجموعة 7 ومجموعة 20 وجميع التنظيمات الجهوية بتناقضاتها البينية والداخلية وخاصة منها الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو العسكري. ولا نستثني في الإدارة السياسية مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة. صحيح أنها مؤسسة غير كاملة وغير عادلة مثل السوق التي أنتجتها، إلا أنها كافية في ميزان القوى العالمي الراهن لخدمة وفرض الاختيارات العالمية للقوى الرأسمالية المهيمنة وفي طليعتها الولايات المتحدة.

بعد هذه اللمحة التصويرية المكثفة للنظام الرأسمالي في عالم اليوم، والتي لم يسعنا الوقت للتطرق لجميع تناقضاتها العينية، يبقى السؤال، أي مصير للاشتراكية، بما هي الهدف الذي كرس له ماركس حياته وفكره؟ ليس بإمكاني هنا سوى أن أقدم جوابا مبدئيا، لا غير: إن النظام الرأسمالي، كيفما بلغ شكله، ليس نهاية للتاريخ. وأي قراءة تضفي عليه هذا المعنى بأي شكل أو مضمون، هي وثنية أيديولوجية جديدة، لا أكثر. أما كيف الوصول إلى المجتمع الإنساني الذي بشرت به الاشتراكية، فسيظل هو الهدف المحرك، والطوبى بالمعنى الإيجابي، لنضالات الشعوب وجميع القوى العاملة المستغَلة، وفق ظروفها العينية الملموسة. ومع الوعي أن النقد العقلاني الحق، لما وصلت إليه القوى المنتجة والقدرات البشرية على التخطيط البعيد المدى، يبممكنا وليس استحالة تاريخية. وبهذا المعنى، كتبت في النهضة أن الماركسية ستظل هي “روح عالم بلا روح”

انتهى

بقلم: محمد الحبيب طالب