آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

الـغـنـاء

كان الغناء ولازال أحـد الـفـنـون الأهـم ، والأكثـر شيوعا في الساحة ، وبين الغناء الجماعي والفردي ، وبين فـرق تغني الحـوزي ، وأخـرى تغني العصـري والسوسي أو الأمازيغي ، وفـرق ” كناوة ” التي تعتمـد الـعـزف على الطبول ، وفـرق ليلية فقط تعتمد العزف على الهجهوج وهـو الـة وتريـة ، مـع ” القـــراقش ” وهـي آلات نحاسية / حديدية ، وفي أقصى السـاحة هنـاك فـرق منعزلة ، تغني أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة . بعد ذلك سيطر الراي على الغناء . وقد يطلب أحـد من المتفرجين الاستماع إلى أغنية ما ، فيستجاب لطلبـه بمقابل . أما الغناء الفـردي فـقـد بـرع فـيـه العـديـد مـن فـنـاني الحلقة وعلى رأسهم فـريـد وعـزوز وعبـد الرحـمـان . وقـد يـرافقهم عازف على الدربوكة وقد تغني معهم امرأة . كان عزوز أول من شوهد مع مغنية مكفوفة أو اثنتين علمهما الغناء . وهنـاك مـن يغني أغنيـة واحـدة باستمرار ، فقـد ظـل أحدهم يعزف على الرق أو ” الطرير ” كما يسمى في اللهجة المحلية ، ويغني أغنية واحدة لمدة تتجاوز السنة عنوانها ” نهار عشرة في رمضان ” مع ذكر مناقب السلطان إلى أن اختفى . وكانت الأغنية مرثية للسلطان محمد الخامس 1961-1927 . بينما كان ” الگناوي ” بوجمعة ، يلبس لباسا أحمر مع ” قراقشية ” ، ويغني أغنية واحدة أيضا وبصفة دائمـة تبتدئ ب ” المشـة يـا بنـت الـكـافـرة كليـت لخليع فالقلوشـة .. ” < = أيتها القطة بنت الكافرة أكلت اللحم المقدد في القدر . كان الرايس واهروش ، يغني وحـده بالربـاب أغـاني تتميز بالمزج بين تشلحيت والدارجة ، وكانـت لـه أغنية شهيرة ، مـزج فيها بين السـوسـية / تشلحيت والدارجـة واللهجة المصرية ، يقول فيها : ” قال لي كلام … وقلـت لـو كـلام..ووقعنـا فـي الخـصـام … وادلاي دلالاي أنيـك الساتيام ” الله يهنيك ” . بالإضافة إلى حلقة الرايس واهروش الفردية ، كانت هناك حلقة جماعية للروايس ، وهم جماعة من العازفين الربـاب والـنـاي والكمـان التقليـدي يغنـون اريخية شلحيت ، أغاني رائعـة تستمد كلماتهـا مـن الاجتماعي ، وكان عددهم ستة أو سبعة أشخاص ، استمرون بأناقة ونظافة في المظهر وذوق في الحركات . تعتمد الساحة على جمهور يتغير باستمرار ، فلا يشكل تكرار الأغاني مصدرا للملل ، إذ غالبـا مـا يتـجـدد الجمهور ، وحتى إذا كان أحدهم قد سبق له الاستماع و مشاهدة حلقة ما ، فإمكانه الذهاب إلى حلقة أخرى لم شاهدها أو يستمع لها من قبل . يتم تطور حلقات الأغاني ببطء ، وتضـاف دائما إلى الأغـاني الكلاسيكية الأغـاني الجديدة ، وقـد يـتم إبـداع أغـان جـديـدة مـخـورة عـن الأغنية المعروفة ، فمثلا أغنية حميد الزاهير ” أش داك تمشي للـزين وأنـت يـا راجـل مسكين مسمعتيش أش لألأ ” ، يحـورهـا مطـرب الحلقـة فيغني : ” آش داك دانـي تمشـي لـزاز < = الأناقـة » وأنـت راجـل معكاز كسـول كتبيع الغاز وبراني < = غريب » لأ لأ … ” . ” كان فـالأول مافيهـا بـاس يعرفـوه جميع الناس الأخير رجع كشماني ( كشماني أكل سيء وبلا مذاق ) ” .

وكان عمر المشهور بـ ميخي ” لـه موهبة خاصة في إبـداع الكلمات ، وقـد عـارض- أغنية الراحـل المعطي بلقاسم : علاش يا غزالي وعلاش ياغزالي فحالك كيفاش النوم يحلالي مشيتي أما معارضة ” ميخي ” فكانت بكلمات أخرى وبنفس ” علاش ياحماري وعلاش ياحماري خليتي البردعة ورميتي الشواري قول لي علاش الشعير مابقاش بلتي ورشيتني ، نغزتك وركلتني قول لي علاش الشعير مابقاش وعلاش يا حماري طلقتك فالبحاير وخليتني حاير كلتي شعيري ومشيني لغيري قولي علاش الشعير مابقاش _ وعلاش يا حـمـاري ” كـان الهبيـز الأجانـب يمارسـون الحلقـة ، وكـان الجمهـور يطلق عليهم ” الهبابا ” ويغنـون فـردا أو جماعة بالانجليزية، ويأخذون المقابـل كـبـاقي ” الحلايقية ” ، وفي الليل تجدهم في مقهى السوربون.

يعتبـر الـعـازفون على العود أنفسهم أهم من باقي حلقات الغناء الأخرى ، التي تفسد الذوق في الساحة في رأيهـم ، لذلك يعتمدون في عملهـم علـى أغـانـي فـريـد الأطرش ، ومحمد عبد الوهاب ، وأحمد البيضاوي ، وعبد الهادي بلخياط وغيرهم . وكـل واحـد منهم يعتبر نفسـه معلما للعـود . وقـد يـروي للمتفرجين كيـف تعلم على يد فلان ، الذي كان من كبار العازفين ، وتعلم على يد أساتذة كبار هو الآخر ، وله باع طويل في الغناء ، إلا أن هذا النوع الحلقـات بـدأ يتقلص بـوفـاة عـدد كبير مـن فـنـاني من الحلقـة سـواء على المستوى الجماعي أو الفردي ، وحلت محله حلقات أخرى للغناء تعتمد المرح واللعب بالكلمات مع الاعتماد على الآلات الصادحة ، وقـد تـجـد في إحـدى الليالي ، بعد أن تهدأ الساحة ، فنانا يعزف على الهجهوج أو أخر يعزف على العود مع قلة من المتحلقين يستمعون بانتباه شديد إلى النغمات الوترية .