آخر الأخبار

مراكش الف حكاية و حكاية لعبد الله العلوي

بـلال وبـلال

كان ابن فايدة كفيفا ، بينما الشرقاوي كان يطلق لحيتـه ، وكان يجـري بينهمـا حـوار مـسـلي ، بعـد أن يبـدأ حلقتهما بالبسملة ثم ” الكانا والمكانة ” وهي فذلكة طويلة عن ” المزاج والساعة ” . يبدأ الشرقاوي بسؤال ابن فايدة عـن مـوطن الحيوانات والحشرات : ” الجـاوج ” حطـائر الدوري من أين ؟ فيجيب ابن فايدة : مسيوي ، أي من قبائل مسيوة ، طيبيبـت / ” طـائـر الـدوري الأحمـر ” مـن أين ؟ مـن مـراكش ، والحصـان مـن أيـن ؟ من دكالة ، ثم البقة والقملـة مـن أين ؟ والحمار ؟ والبغل ؟ ….. وهكذا حتى تكتمل المناطق . وكانت ساحة حلقتهما تمتلئ بطيـور الحمام . كان الشرقاوي يدخن الكيف علنا قبل وفاة ابن فايدة الضـرير ، ارتبط الشرقاوي بعلاقـة خاصـة مـع الـواعظ بلال ، الذي كانت حلقتـه مـن أضخم حلقات الوعظ في الساحة ، وكان يلبس لباسـا تـقـلـيـديا أنيقا ، ينطلق في الـوعظ ، معززا كلامه بكلمات أو مصطلحات من الفرنسية والانجليزية . وكان يقول إن الشفاعة يـوم القيامة لا سند لها ، فينكر عليه البعض من المستمعين ذلك ويشتمه ، لأن عقيدتهم أن الكل يوم القيامة يقـول : نفسي نفسي ، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام يقـول : أمتي أمتي ، وهم ينتظرون الشفاعة لما ارتكبوا من ذنوب ، فكيف بهذا الجاهـل ينكرهـا . وكـان يجيبهم : ما حملت يمينك . بعد أن كثر الهجوم عليه اضطر إلى اتخاذ حراس لمواجهة مهاجميه . كان يسكن غرفة في أحـد الـفـنـادق التقليدية بالمدينة القديمة ، وقد تزوج سيدتين أوربيتين إحداهما انجليزية ، تقيمان معه في نفس الغرفـة . وقـد قامت قناة B.B.C بإنتاج برنامج خاص عنه ، وقد غادر الساحة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي ، وهاجر إلى لندن -كما يشاع- حيث توفي هناك . كان بلال على علاقة وطيدة بالشرقاوي ، وكثيرا ما كان ” ينزل ” في حلقته مع ابن فايدة ، يحاورهما ويعظ الجمهور . كان وجود بلال في حلقة الشرقاوي يعطيها زخما وقيمة مضافة وجمهورا عريضا ، فضلا عـن مـداخيل جيدة .

كان بلال أنيقـا يتكلم أحيانا بالفرنسية ، وكانت حلقتـه مـن أهـم حلقـات الـوعظ في الساحة ، منـذ الستينات حتى أواخـر السبعينات . وقـد التـبس على البعض شخصية بلال الواعظ ببلال ” الگناوي ” الذي كان ضمن فرقة موسيقية ” كناويـة ” تـزوج هـو الآخـر فرنسية وأسكنها معه في منزله العائلي الواقع بحي روض الزيتـون . كان تأثير السـاحة على الأجانب القادمين مـن أوروبا ، وحتى من أمريكا طاغيا ، وكذا تأثير حي سيدي أبو الأوقات المجاور للساحة ، حيث تقع الفنادق الصغيرة المناسبة الثمن ، والتي يفضل عدد من الغربيين الإقامة فيها لقربها من الساحة . وكان منهم عدد من الفنانين في ميادين الموسيقى والرسم والكتابة ، وقـد أقـام أحـد الأمريكيين منهم الحلقة في الساحة في السبعينات . كان يعزف على ” القيتار ” وينام في المقاهي الشعبية مقابل 20 سنتيم لليلة ، لكنه بعد قرابة سنة تحول فجأة- إلى نزيل في فندق المامونية الفخم ، وظهر مرتديا لباسا فاخرا غالي الثمن ، وبعـد مـدة قضاها في الفندق المذكور لتأهيـل حالته النفسية -كمـا قـال- غـادر مـراكش . لـم يكـن هـو الأجنبي الوحيد، فهناك بجانب غيره أسسوا فرق عناية و نساء، اتخذت إحظاهن تعبانة ضخما كان أساس فرجة حلقتها، فشكلت ” عقدة “ لفرق عيساوة .