آخر الأخبار

متى نخفف من ضغط استيراد مواد الطاقة 

إدريس الأندلسي

كثير منا يجهل أن المغرب كان من بين الدول الأولى في المنطقة التي اكتشفت البترول في أعماق أرضه و على الخصوص في جهة الغرب. و كان بلدنا سباقا إلى الصناعة البترولية خلال بداية الاستقلال و حرص رئيس الحكومة آنذاك عبدالله إبراهيم و وزير الإقتصاد عبد الرحيم بوعبيد على العمل على تمكين البلاد من مصفاة للبترول. و كانت علاقات الإيطالي “ماطيي ” صاحب الشركة التي كانت تنافس “الأخوات السبع الكبرى ” الأمريكية للسيطرة على سوق الطاقة تتميز بكثير من الاقتراب من الدول التي حصلت على استقلالها و أظهرت رغبة في بناء اقتصادها بمنهج يعطي للدولة الدور الأول في تدبير الإقتصاد. تم اغتيال الإيطالي صديق المغرب ماتيي و لكن بلادنا تمكنت من بناء أول محطة لتصفية النفط و هي لا سامير. هذه البنية الاستراتيجية التي فرط فيها التقنوقراط و اغرقوا سوقنا بمواد طاقية من بنزين و غاز لا يمكن تتبع بنيات أسعاره و لا يمكن التعرف على حقيقة أرباح أصحابه و مدى إحترام شركاته لقواعد المنافسة.

العالم يعيش أزمة الطاقة و أزمة الغذاء و أزمة المناخ و أزمات تم اختلاقها لانعاش سوق الأسلحة و شحن النفوس بقرب الحرب العالمية الأخيرة و النهائية. بالطبع تأثر اقتصادنا بفعل كل ما سبق و زادت فاتورة الطاقة المستوردة بشكل مهول. نستورد أكثر من 90% من احتياجاتنا من المواد الطاقية و لا زالت الطاقات المتجددة تساهم بأقل من 10% من الحاجيات. غاز البوطان و وقود السيارات و كل الاستعمالات المتعلقة بالنقل و الاستعمالات المنزلية لا زالت تلك المصادر الأحفورية التي تسيطر على بنية إستعمال الطاقة ببلادنا. منذ سنوات حددت الحكومة أهدافا تجعل من الممكن الوصول إلى تغطية حاجياتنا بطاقات متجددة قد تتجاوز 50% في حدود سنة 2035.

الطاقات المتجددة في بلادنا ورش مفتوح بدأ منذ عقود عبر سياسة السدود التي تم تجهيزها” بتوربينات ” لتوليد الطاقة و استمرت خلال السنوات الأخيرة عبر مشاريع الطاقات الشمسية و الريحية و على رأسها برنامج “نور” الذي لا زالت تشرف على تنفيذه مؤسسة “مازن” التي لا زال يرأسها الرئيس السابق لحزب الأصالة و المعاصرة السيد باكوري. هذه المؤسسة قل الحديث عنها و أصبح تقييم مستوى إنجازها كمستوى ضعف تقييم إنجاز سياسات قطاعية أخرى . طرح موضوع إختيار التكنولوجيا الملاءمة و تكلفتها منذ بداية برنامج “نور” و لم يتم أي تحليل للتكلفة و إمكانية تحقيق مردودية اقتصادية و مالية في أفق معروف. الفاتورة الطاقية تجاوزت عند نهاية شهر يونيو 70 مليار درهم و قد تصل إلى أكثر من 140 مليار درهم عند نهاية 2022. و ستصبح الفاتورة الطاقية هي العامل المؤثر في عجز الميزان التجاري. و قد تفاقم هذا العجز ليصل عند متم نصف السنة الحالية إلى أكثر من 115 مليار درهم.

الكثير ممن يعرفون تأثير عمليات تصفية البترول الخام على بنية الأسعار لا زالوا ينتقدون قرارا “خاطئا ” أضاع على بلادنا فرصة التحكم في أحد هوامش بنية الأسعار من خلال المحافظة قدرة تصنيعية كانت مصفاة المحمدية إحدى دعائمها. اليوم لا قدرة للحكومة على التدخل في سوق المحروقات ما دامت تعمل في إطار يقدس تحرير الأسعار و لا يمكن من تدقيق وسائل محاصرة السلوكات التي لا تضمن منافسة حقيقة في سوق ذو أهمية إستراتيجية. الكل يقر بعجز عن مواجهة مسلسل قضائي و تحكيمي في مواجهة من اشترى المصفاة الوحيدة التي كنا نمتلك و الذي قد يفضي إلى تحميل خزينتنا العمومية تكاليف ثقيلة تقررها هيئات لا تعترف إلا بحقوق القطاع الخاص على حساب الحكومات. فتحنا سوق التوزيع و الاستيراد و لم ندفع بالمستفيدين إلى مجال التخزين و لم لا تحفيزهم على الإستثمار في تصفية النفط. اليوم وجبت وقفة سياسية و اقتصادية لبناء جزءا أو كلا مما فقده المغرب في مجال التصنيع الطاقي الاحفوري. شركات التوزيع لا تسعى إلا لتحقيق هامش ربحي قد تزيده خدمات تجارية في المحطات ربحية مريحة.

الطاقة و ديمومة الحصول عليها مشكل يؤرق الجميع. المسألة تتطلب كثيرا من الاختيارات السياسية و قدرا كبيرا من ترشيد الاستهلاك. و هكذا تطل علينا وصلات اشهارية و توجيهية تدعو إلى سلوك يفضي إلى اقتصاد الطاقة. في البيت و خلال إستعمال وسائل النقل توصي الحكومة بالتعقل و التحلي بسلوك حضاري للنقص من استهلاك الطاقة. رسالة نبيلة من حكومة مسؤولة و لكن الأمر يحتاج إلى ما سماه ملك البلاد بمثالية تدبير المؤسسات. الحكومة و الجماعات الترابية و المؤسسات و المقاولات العمومية تجعل من تكاليف إستعمال سيارات الدولة جزءا من الامتيازات الممنوحة لبعض الموظفين أو كما سماه البعض “خدام الدولة”. سيارات الدولة عندنا تجاوزت 100 ألف سيارة منها جزء صغير يهم سيارات الإسعاف و مكافحة الحرائق و الحفاظ على الأمن. الباقي من سيارات الدولة يجب الحد منه بطريقة جدية بما في ذلك كراء السيارات لمدة طويلة و بتكلفة عالية. الكل يعرف أن المصالح العمومية تكلفتها عالية و لا حياة لمن تنادي. و للعلم فإن كل المسؤولين يحصلون على تعويض شهري على تنقلهم إلى مقرات عملهم. سيارات الدولة يجب أن تقتصر على المهام الرسمية و ليس على ما نراه في الأسواق و الشواطئ و أبواب المدارس و نوادي الرياضة و كل أماكن الاستجمام. و لا زالت “علامة الميم الحمراء” و السائق الموظف ينتظر “المدام” و أطفالها عند باب السوق و أماكن التدليك و كافة أنواع الأسواق. كل هذا في الوقت الذي يطلب فيه من فقير في بادية دفع ثمن بنزين سيارة إسعاف لنقل زوجته الحامل أو إبنه الذي لسعته عقرب إلى أقرب مستشفى. مثالية المؤسسات العمومية ستجعل المواطن يحترم مؤسساته و لا يبخس عملها. ولكن الممارسات الحالية لا تضر بالمرفق العام و بشرعية بعض النفقات العمومية فقط و لكن أيضا بمدى جدية مساهمة الدولة في تخفيف ثقل الفاتورة الطاقية و خدمة المواطن.