آخر الأخبار

مؤسسة رئاسة الحكومة و ” لمعيار السياساوي” 

إدريس الاندلسي 

مؤسسة رئاسة الحكومة و ” لمعيار السياساوي” 

“غابت شمس الحق و صار الفجر غروب”

 

لا يمكن أن أبدأ في الكلام عن مؤسسة رئيس الحكومة دون أن اترحم على رجال الدولة الذين سيروا حكومات سبقت الحكومات الثلاث الأخيرة. “سوق المعيار سوق مطيار” و الداخل إليه يفقد الوقار و الإحترام و لكنه أيضا يدخل البلاد في مسار مدمر لثقة الأجيال المغربية بشيبها و شبابها في مؤسسات بلدهم بل و في بلدهم. حين يبدأ مسلسل الانحطاط على مستوى الكلام الذي أخجل أن اسميه بالسياسي، فأعلم أيها المواطن أن أصحابه لهم من الخلفيات ما يخيف و من الأساليب ما يشكل الخطر على مستقبلنا أجمعين. التطاحن الكلامي غير المسؤول بدأ، في شكله الشعبوي و المستعمل لكلام الشوارع و بعض المقاهي، منذ أن تساكن حزب العدالة و التنمية مع “اضداده ” . قد يقال أن عبد الرحمان اليوسفي قد تساكن مع الأضداد و لكن فترة التناوب التوافقي كانت التزاما سياسيا بالأساس و وفرت لحظة ثقة و سكينة خلال انتقال العرش من المرحوم الحسن الثاني إلى وارثه محمد السادس. اليوسفي و بعده إدريس جطو ثم عباس الفاسي ظلوا ملتزمين بقواعد تكاد تحرم الدخول في مستنقع الكلام.

أما اليوم فمن الممكن أن نفرق بين وسائل اكتساب الثقافة السياسية. هذه الأخيرة ليست وجبة سريعة تبتلع دون تذوق و دون المرور من دروب المعرفة بتاريخ المغرب و تاريخ الإنسانية في نسبيته و علاقته بموازين القوى و ما ترتب عنها من ممارسات حاول الأقوى أن تصير قيما مطلقة يعنف منتقدها و ينعت بالمجرم. هكذا حكمت الاقلية عبر التاريخ إلى آخر مريض ديكتاتور غير مسار شعب من محب و مبدع للثقافة الحرة إلى مبايع لدكتاتور نازي يحارب المطلق و النسبي بإسم المطلق من حقيقته.

كم ابتعدت عن الموضوع. عفوا لأني جنحت إلى درجات عليا من القيم لا تتوفر في من يتناطحون حول جزء من سلطة القرار في بلادي. خرجات بن كيران و اخنوش و الناطق بإسمه أستاذه الطالبي العلمي رئيس هذا المجلس البرلماني الذي لم يعد للكبار فيه إلا لحظات لإبداء رأي في دقائق حول قضايا تهم مستقبل الأمة. في هذا الزمان , انبرى العائد العنيد إلى قيادة العدالة و التنمية للهجوم على من كانوا بالأمس يمسكون بكل شيء في حكومته. قبل في البداية بالاستغناء عن حزب الاستقلال بعد وصول شباط إلى قيادة هذا الحزب و ارتمى في حضن حزب التجمع الوطني للأحرار. و قد كانت هذه الخطوة بداية النهاية. و أستمر بن كيران في التفريط في ميكانيزمات القرار حتى أصبح جزءا من الجزء. و أصبح هذا الجزء هو صاحب القرار الذي اسقطه و فرض العثماني المسالم و الذي استسلم أمام من امتلكوا القرار و على رأسهم اخنوش و وزارءه التقنوقراط الذي تم صبغهم بالأزرق الحمامي. و بالطبع طغت الألوان الجديدة لتطفو على سطح القرار الحزبي داخل التجمع للقضاء على ما تبقى من إرث أحمد عصمان.

و تبقى ما تبقى من أيام مصطفى المنصوري الذي انقلب عليه تقنوقراط قادهم صلاح الدين مزوار الذي لم يصمد أمام تيار اخنوش إلا لفترة معلومة. و بعد ذلك بدأت المواجهة من داخل الحكومة. و قبل حزب العدالة و التنمية مصادرة قراره و عانق زعماؤه عن طيب خاطر من سينقضون عليهم بعد مرور أيام قليلة. بعد صلاة استخارة سريعة، و الله اعلم، سلم الحزب الإسلامي مفاتيح القيادة إلى من سيحاربه بعد شهور. و كان ما كان من حيل التقنوقراط من استغلال لتدبير سيء لمجالس ترابية و إستعلاء في التعامل مع المواطنين و انخراط تام في سياسة ليبرالية لإسقاط أصحاب بن كيران من القمة إلى الحضيض خلال انتخابات لا يمكن أن تسر الناظرين و الملاحظين.

و لأن من طبع من دخل المعركة الرجوع إلى الميدان، رجع بن كيران إلى الميدان بعد أن أضاع خلفه العثماني رأسمال حزبي بني بقوة الخطاب و لو على حساب مطالب شعبية ملحة. كانت الساحة تغلي من جراء ملف المتعاقدين و التخلي الجزئي و المهم عن صندوق المقاصة و مواجهة حامية للمنظمات النقابية. فكان ما كان و التف الحبل على عنق قيادة الحكومة بمباركة من حلفاء و خصوصا من طرف التجمع الوطني للأحرار. و للسياسة قواعد خبيثة نسي أهل العدالة و التنمية أنها صعبة و قاسية و مدمرة. حين انفرط عقد العدالة و التنمية من حول بن كيران ظهر تيار المستوزرين و عاشوا لحظة انتشاء سرعان ما مرت فوجدوا أنفسهم خارج المحيط الحكومي و امتيازاته و رحلوا و لن يرجعوا. ولكن عبد الإله بن كيران ينتمي إلى طينة من لا يستسلموا، فقد عاد من جديد إلى قيادة حزبه المهزوم و أعاد الساعة إلى الصفر ليبدا الهجوم. هجوم لا يمكن استصغار نتائجه في ظل أزمة لم تتميز الحكومة في حسن تدبيرها.

المعروف في العمل السياسي أن من فقد الأغلبية و المناصب و مراكز القرار لا يمكن أن يخفي رغبته في مهاجمة من يظن أنهم غدروا به. و قد يقول أن معركته بدأت تحت شعار ” علي و على اعداءي ” . و لعل الأعداء المفترضون لم يكن لم من الوعي السياسي ما يدفعهم إلى الانجرار إلى مواجهة حزب مجروح يسكنه شعور ” بالشمته” من طرف من جعلهم طرفا مهما في منظومته الحكومية.

وصل بن كيران من جديد إلى رئاسة العدالة و التنمية و بدأ عمله بعناد و رغبة في تصفية كل الحسابات. انطلقت معركته من خلال فضح ما سماه “بالمؤامرة ” التي حيكت ضده. المعركة منتوج إعلامي جيد على الفضاء الأزرق الذي يتجاوز بكثير الفضاء الكلاسيكي الذي تؤطره وسائل التواصل التقليدية. و قد ينقلب السحر على الساحر و على من لعبوا الدور المناط بهم في حرب إعلامية ضد حزب بن كيران الذي لا زال يؤكد أن كل الفضل يرجع له في مجال الإصلاحات الماكروتقتصادية و تلك التي تتعلق بالتضامن الإجتماعي المباشر. و بالطبع سيكون الهجوم من موقع الضحية أقوى من الرد عليه من طرف من يقود الحكومة.

و رغم الحضور الضعيف في البرلمان، يظل حزب بن كيران حاضرا في المشهد السياسي أكثر بكثير ممن لهم الكثير من المقاعد في الهيئات التشريعية. و رغم كل الأخطاء و الهفوات التي صاحبت قيادة هذا الحزب للعمل الحكومي، لا زال المجال مفتوحا أمامه لإعادة نوع من الحضور في المستقبل. المشاكل التدبيرية للاقتصاد و للقضايا الإجتماعية لا زالت حاضرة بقوة و التغيير المنتظر من أغلبية كبيرة و مكونة من أحزاب ثلاثة لم يصل إلى مرحلة لمسه من طرف المواطن.

و في هذا الإطار تستمر المناوشات الكلامية بين بن كيران و اخنوش على المباشر. بن كيران يستصغر وزيره السابق في الفلاحة و يفضح طلبه للتوسط لدى عاهل البلاد من أجل قضايا تهم جهة في مغرب الجهات. و اخنوش يرد على أن الإنجاز في حكومته يتعرض لهجوم غير مبرر. و لأن اخنوس ليس من قدماء التجمع الوطني للاحرار، فقد اوكلت مهمة الرد على بن كيران إلى العلمي رئيس مجلس النواب. وانطلقت معركة ” السب و الشتم” باقدح النعوت. اختلطت التشبيهات بالحيوانات و بالصفات المتعلقة بالمواطنة الضريبية و بتلك التي تتعلق بالالتزام بحقوق العمال في مؤسسات رءيس مجلس النواب ، و ستستمر بقضايا تهم أسعار البنزين لتصل في القريب إلى قضايا قد تهم فضائح جنسية و تهرب من الضرائب و أخرى الله يعلم بفحواها.

المعركة الكلامية بين حزبين، لا يمكن أن نقول أنهما يتعارضان في مجالات الإختيارات الإقتصادية بل يتقاطعان ، تسير فى إتجاه الزج بالبلاد في مجال فضح ضعف تدبير الكثير من السياسات القطاعية التي رصدت لها عشرات الملايير من الدراهم. ولعل 55 مليار التي رصدت للتنمية القروية منذ سنوات و التي كلف بتدبيرها رئيس الحكومة الحالي و ملايير المغرب الأخضر و الأزرق الرقمي و الصناعي تحتاج إلى كثير من التقييم. كل سطر قرأته في تقارير لجنة نموذج التنموي الجديد تبين الفرق الكبير بين السياسات العمومية و نتائجها. و لكن المعارك الكلامية ستنتصر على جوهر السياسات العمومية.

و المشكل العميق و الذي لا زال عصيا على الفهم هو موقف المؤسسات العمومية ذات الأثر على تدبير الانتخابات من الصراعات الطبيعية بين الأحزاب. ما وقع خلال الانتخابات الأخيرة غير لا يبعث على الاطمئنان. البلطجة أي إستخدام ذوي القوة الجسمانية و الصوتية من طرف أطراف التنافس في ظل حياد سلبي لبعض الإدارات ليس بالشيء الذي لن يكون له أثر على مستقبل الممارسة الانتخابية. لقد عشنا مرحلة صنع و جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية و مراحل خلق الأحزاب من طرف الوزير القوي الذي رحل و محاولة خلق بديل مكون من خلطة سحرية يمينية و يسارية و باحثة عن جذور لا توجد، و شهدنا أن السياسة تخضع لمنطق التراب و تأثره بتجدر النباتات أو باندثارها. سوف يستمر ” لمعيار ” و لن يسلم من تبعاته أحد. و لكن الوطن يحتاج إلى ذوي العقول و إلى من يرجحون كفة الصالح العام على مصالحهم الخاصة اقتصادية كانت أو ايديولوجية.