آخر الأخبار

لعبة الأرقام

إدريس الأندلسي

الأرقام بالمنطق الرياضي صارمة في دلالاتها ومعادلاتها ناطقة بحقيقة وجودها مالم يتدخل فيها العنصرالبشري ليجعلها خداعة تركب الخطأ وتغازل الخيال. كثيرة هي الأرقام التي تشير لإحصائيات لا أثر لها في الواقع بعدما أحاطها الغشاشون بمعسول الكلام ليتبخر مفعولها فور انتهاء العرض ويفتض الجمع.كلما زاد الديكور حولها بشكل مبالغ فيه ورافقها التطبيل من كل جانب وسخر لها سحرة الكلام من اقلام مأجورة فاعلم انها بعيدة عن الحقيقة ولاعلاقة لها بما نطمح له من تفوق منشود وهي تحمل شعارات لا اثر لها في الواقع .

في الآونة الأخيرة اصبحنا امام حرب الأرقام من خلال تقارير لم تغراحدابقراءتهابل لم نعدنسمع اهل الاختصاص يخضعونها للافتحاص الدقيق للوقوف على حقيقتها ومدى جدواها وللجواب على سؤال محوري هل فعلا تؤسس لمرحلة بناء النجاعة المطلوبة لمنظومتنا التربوية ؟
نظام الباكلوريا لايعكس الصورة الحقيقية لواقعنا التعليمي بالمغرب ، فكثير من المؤشرات المقدمة سواء في الحصيلة او في النتائج والتي تتبنى الادارة فيها المناورة واضمار الحقائق والتستر بشكل مفضوح على كل الأعطاب دون الإفصاح عنها بالجرأة المطلوبة الشيء الذي يساهم في تعطيل آليات الاصلاح واستدراك الأخطاء ، وبالتالي كل مرحلة اخفاء تورث معيقاتها وخيبتها للجيل اللاحق في سلسلة لامتناهية من الفشل والاحباط .ويضيع زمن الاصلاح الآني والمستعجل لربح الرهانات.مالفائدة من نشر المعدلات في تسابق محموم وكأنها حرب مستعرة بين مؤسساتنا في موضة غير مسبوقة ؟
الإدارة التي لاتجيد سوى احتفال مخدوم على المقاس في نهاية السنة تتخلى بالضرورة عن دور آخر لايقل أهمية عن تعزيز لحظة فرح أسر وتلاميذ بالإنكباب على التعثرات ورصد الخلل من اجل إنقاذ ضحايا سياستنا التعليمية الذين لم يحالفهم الحظ هذه المرة .هل يتم تقييم الحصيلة بكل مكوناتها أم الاختباء وراء معدلات لاتعكس حقيقة وضعنا التعليمي المعطوب .
نحتاج لحظة من الموضوعية والشفافية في التحليل لتجيب على وضعيات نعيشها منذ مدة ليست باليسيرة ، و على أسئلة من قبيل لماذاالتلميذات يتفوقن على الذكور؟ ماهي مؤشرات التفوق العلمي مقابل الشعب الأخرى ؟ هل فهلا مسارات التوجيه حققت اهدافها ؟ كما نحتاج في مثل هذه المناسبات التي يطغى عليها الجانب الاحتفالي إلى خلق تنافسية حقيقية تدفع في اتجاه الجانب الإجابي مع تبني مقاربة تعاقدية ترتكز على مؤشرات. وتؤسس لمنطق استدامة الانجاز والنجاعة بشكل مؤسساتي وليس التركيز على الجانب المناسباتي وحده . كثير من الصور التي تضج بها الساحة التعليمية لاتعكس الحقيقة.
في مناسبة سابقة وفي حوار مع مسؤول تربوي ركز في مداخلاته على مقترح وجيه ما أحوجنا لتبنيه..!
بقدر مانبرز نخبة التلاميذالمتفوقين وكيف وصلوا لهذا الإنجاز وماهو سر تفوقهم ؟ نحتاج لرصد اخفاقات عينة اخرى راسبة مع تحديد الأسباب التي ساهمت في الفشل لتشكل أرضية لضمان إنطلاقة جديدة للموسم المقبل عوض الاكتفاء بالتدبير اليومي والاختفاء وراء انجازات في مجملها انفلاتات فردية ساهمت فيها بشكل كبير الأسر و لم تساهم فيها الإدارة التي مع الأسف تنتحل صفة التبني والحيازة . تمتلك السلطة التربوية إمكانية ومهارة اللعب على الأرقام . مما يساهم في ازمة بنيوية عميقة ومعقدة لن تصمد معها هذه الطقوس الكرنفالية ،وهي تسائل استراتيجيتنا التربوية وسؤال الإصلاح المؤجل إلى حين .
لن نصادر فرحة مستحقة للناجحين والناجحات واسرهم لكن لن نتخل عن ضحايا نظامنا التعليمي ولانملك في المقابل سوى رفع صوتنا لمناصرتهم بعدما أصبحوا فشلة بالغصب والقهر .