آخر الأخبار

في بعض عوائق التقدم الديمقراطي

من بين عوائق التطور الديمقراطي العزوف والعدمية واليأس, فالديمقراطية السياسية والاجتماعية, عبر تاريخ تجاربها هي من صنع المواطن الفاعل والمشارك والمدافع بوعي وإرادة وتفاؤل بالمستقبل عن قيم العدالة والكرامة والحرية.

في وضعنا الوطني الخاص, ومجالنا السياسي المأزوم, يرتهن بناء الديمقراطية بوجود قوى اجتماعية وسياسية وثقافية حاملة لمبادئها وقيمها باعتبارها ,لا مجرد استحقاقات انتخابية موسمية, وإنما أساسا, رهانا مجتمعيا حضاريا ونهضويا . وهاهنا تبدو الحاجة الملحة إلى قوى سياسية حزبية ذات مشاريع مجتمعية وبرامج اقتصادية واجتماعية وثقافية, إذ لا ديمقراطية بدون أحزاب قوية ذات امتداد شعبي وتمثيلية مجتمعية تستمد منها مشروعيتها الواقعية والفعلية.

إن من بين عوائق التقدم الديمقراطي أيضا , في وضعنا الحالي, ذلك الخصاص الفادح في النخب السياسية والثقافية ذات الكفاءة والاقتدار, والتشبع بالديمقراطية كثقافة والتزام نضالي بها في السلوك والممارسة . فبدون نخب بتلك المواصفات ,ستبقى العملية الديمقراطية عندنا , وكما هي جارية اليوم , بلا لون ولاطعم ولا أفق يحرر المجال السياسي من انسدادا ته و الأوضاع الحزبية من أمراضها المزمنة المتعددة ..
كما أن أية رؤية استشرافية لأفق التقدم الديمقراطي , ستظل ضبابية إذا لم تأخذ بعين الاعتبار معضلة ضعف وهشاشة ثقافة وسلوك المواطنة في مختلف مجالات المجتمع, فلا ديمقراطية بدون إرساء وترسيخ ثقافة المواطنة : فالانتقال إلى الديمقراطية ودولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان ليست معضلة سياسية صرفة, بل هي أساسا معضلة ثقافية وتربوية . إن مواطنة حقة و فاعلة تتمثل وتستبطن قيمتي الحق والواجب في تلازمهما الجدلي, هي شرط لاغنى عنه في أي بناء ديمقراطي , وللدولة وقنوات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وإعلام وهيئات مدنية ..الخ , دور حاسم في ذلك
إن المواطنة هي الماء الذي ترتوي منه الديمقراطية وتنمو وتترسخ , وهي التي تحصن المجتمع وقواه التمثيلية ونخبه السياسية والثقافية والاقتصادية من مختلف الانحرافات والمفاسد , إنها ( أي المواطنة كثقافة وسلوك مدني) شرط الديمقراطية الذي بدونه ينبعث الاستبداد, وتفشو الروابط العصبوية والقبائلية والإثنية ومختلف النزعات الانغلاقية , فتتآكل الدولة والمجتمع معا, ويعم الفساد , وتذبح الديمقراطية ,وتنتهك حقوق الإنسان باسم الديمقراطية ذاتها !!

جليل طليمات / الرباط