آخر الأخبار

خربوشة امرأة من زمن الثورة

خربوشة إسم لوحده يستهويك بسحره متى تناهى لسمعك ترديده، وهي تنشد عيطة توشحت بكلام ثائر فتماهى النغم مع قوة الكلام واكتملت في صورة غاية في الروعة ، كأنها تسعى من خلال إبداعها المنفرد لتأمين بقائها ودوامها عبر التاريخ ، فتتداولها ألسنة لاتكل أو تمل وتؤرخ لحقبة من الزمن أو إن شئت القول قطعة منه، تقف في وصفها على مدى القهر والتسلط والجبروت الذي إجتاح كل الآفاق متعاليا يريد أن يغطي على فضائحه وفداحة جرمه وأفعاله ، جاءت صيحاتها قوية وهي تردد كلماتها مدوية لتكسر بها كبرياءه .
التقط انفاسك أيها المتابع الشغوف باللحن الرصين للثراث الجميل قبل السفر معها …! فستتعبك حويدة في المسار وهي تنشد بل وتدين عدوها الأبدي الذي لم يرحمها لحظة في كل أطوار المواجهة ، استمتعوا بكلام كبيرلن تملوا من تكرارسماعه ، قالت الزيدية :
والايام الايام ايام القهرة والظلام
فينك يا عويسة وفين الشان والمرشان
شحالْ غيرتِ من اعباد
شحال صفيتي من اسْياد
بلا شفقة بلا تخمام
حركتِ الغلة وسْبيتي الكسيبة
وسُكتي النسا كيف الانعام
ويتمت الصبيانْ بالعرام
كي الشيخ كي لْعبد كي لمْقدم
كَع منك طالبين السلام
فينك يا اعويسة وفين الشان والمرشان
تعديتي وخسرت الخواطر
وظنيتي القيادة على الدوام
والجيد ما بقالو شان
والرعواني زيدتيه القُدام
سير أعيسة بن عمر أوكَّال الجيفة
يا القاتل خُوتو ومحللْ الحرام .
كلام يلخص مآسينا اليومية لاتوقفه أحداث ولا يحده زمان ولامكان ، يولد من رحم المعاناة ، صادق في مبناه ومعناه لاينمح ، كثير منه يمر على مسامعنا وقليل منه يبقى راسخا في الذاكرة مهما حاولت الأيدي الغادرة أن تطمس معالمه.
لقد استطاعت خربوشة أن تطعن كبرياء رجل السلطة المتجبر بكلماتها التي جاءت قوية ثائرة لعلها ترحم أعناق العباد من ظلم الإستبداد. هذا لايعني أن قبيلة أولاد زايد ضعيفة بل أبانت عبر كل مراحل المواجهة عن شجاعة قل نظيرها رغم السند الخارجي الذي يتلقاه القايد من خارج المنطقة .إنها صورة تتفاعل مع منطقة ذات فروسية وشهامة. فكيف لا والشاعرة عاشت وسط بيئة أبية ترفض الظلم فبادلتهم بشحذ الهمم.
إسم الشهرة لوحده يستفزك من باب الفضول لتبحث عما تعني رغم أنك في كل سنة تقرأ عنها مقالا أو تسمع عنها حكاية عابرة ،لاتمل من القراءة والسماع في نفس الآن ،
ربما هي خربشات قوضت معالم نمط من الحكم فاختلت أركانه بصخب له وقع إستمر لردح من السنين وعلمنا أن نساء المغرب قادرات على بصم مراحل من تاريخ المغرب بمحطات مشرفة .إستطاعت أن تقول في وجه الحاكم :لا في زمن كان بعض الخونة يرددون بدون توقف نعم مرفوقة بانحناءة إذلال وخنوع. ليس بالسهل أن تتناول إسما رغم شح المعطيات حوله لكن ما إن تسمع إسمها حتى ينتابك شعور وإحساس يغريك بالغوص في دلالاته وكيف إستطاع أن يرسم لنفسه طقوسا خاصة. لا أتمالك نفسي وأنا أستمع لكلام الشاعرة حادة أوزروالة مرفوقا بنغمات خاصة وهي تمتطي صهوة المفردات وتعتلى عرش العيطة بكل زخمها ورونقها ، تعلم جيدا أن خصمها في الحياة لن تسقطه في حلبة الصراع بجيش وأسلحة لكن هزمت مابداخله من قوة بقصيدة تشحن همم الرجال في المعارك وتفضح بوصف دقيق صور بطشه وقذارة حكمه وكيف استعبد الناس بكل أشكال التعذيب والتنكيل لينعم هو وأسرته بكل ماجادت به البلد من خيرات رغم ضيق العيش وشح الطبيعة ،سدت معه الآفاق ولم يبق لها سوى الشكوى للسماء فترفع صوتها مرددة أشعارا كأنها موجة غاضبة في بحر عاتي لم يرحم قبيلتها وبالتالي لم تفوت الفرصة وهي تعلم أن كلامها له وقع سيترك جرحا غائرا لن يندمل .
ربما لأن إسمها أصبح من التاريخ ولم تعد العائلات تتقفى تلك الأسامي الموغلة فيه بعدما استهوتها أسامي تركية وبعد الموجة اللبنانية ولم يعلموا أن خربوشة إسم لوحده يوقظ بدواخلك كثيرا من الأسئلة وهكذا يحلو لي مناداتها دون باقي الأسماء وهي التي كل إسم لها يحمل استفهامات و علامات ومواصفات ،نتيه في بحر معانيها ،لا أدري ماالسرالذي يجعلك رغم عنك تكمل سماع قطعة تحمل في ثناياها كلاما فعلا يشبه لحد بعيد ” الدق و القرطاس.”
وبقي راسخا في مخيلتي أن الشعر الموزون الجميل الصنعة بصدق المشاعر وقوة المرافعة لا يوازيه كوعاء له سوى إيقاع موسيقي بديع ينمي الذوق ويهذبه وليس كما يعتقد البعض “لشطيح والرديح “. فالشيخة خربوشة انبعثت من زمن الثورة.
ذ ادريس المغلشي.