آخر الأخبار

تــكــلــم حـتـى أراك

إدريس بوطور 

يروى عن الفيلسوف الاغريقي سقراط أنه كان في جلسة فكرية مع طلابه في نقاش حول موضوع معين ، إذ وقف أمامه رجل وسيم ذو هندام رفيع ، كان يريده لأمر ما . فأخذ يتباهى بملابسه ، ويتبختر في مشيته ، فناداه سقراط بكلمته الخالدة ( يا هذا ! تكلم حتى أراك ). أي أنك رغم شكلك الجذاب فلا أستطيع فرزك ورؤيتك بوضوح إلا إذا تكلمت **من خلال هذه الرواية نستشف أهمية الكلمة في حياة الإنسان ، الكلمة الهادفة المعبرة ، تلك الميزة التي فضل بها الباري عز وجل بني آدم عن باقي المخلوقات . وما دام الكلام عنصرا تفضيليا في خلق الانسان ، فإنه يشكل لديه مكونا أساسيا في بناء العلاقة الاجتماعية السليمة والمتوافقة أو هدمها. فكلام الانسان هو جواز العبور الأول إلى قلوب الآخرين ، ولعل العديد من الصدامات والمنازعات بين بني آدم كانت وما زالت في انطلاقتها بسبب كلمة غير محسوبة. وفي المقابل كانت الكلمة الطيبة وما زالت بلسما للجروح ، ولأما للكلوم ، وقد يصل مفعولها إلى اعتبارها فدية للقتيل كما جاء في القول المغربي الدارج المأثور (الكلام لحلو يدفع في الدية ) ** كلامك يحدد أي الأشخاص أنت ، ويعبر عن كينونتك . وليس الكلام مجرد ثرثرة تطلق في أي اتجاه دون تسديد ، بل إن الكلام مبني على الاتزان ، وتحديد مسبق للمواطن والأهداف المنشودة ، لأنه نتاج عملية تنسيقية بين العقل واللسان ، وفي هذا المعنى جاء قول الشاعر (إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ** جعل اللسان على الفؤاد دليلا ) ، والمقصود بالفؤاد هنا هو العقل ** إن قيمة الإنسان ليست في ما يملك او يلبس ، بل في ما يبعث من قول وكلمات رزينة هادفة معبرة عن فكره وروحه وجوهره ، ومن لا يستطيع ذلك رغم أنه سوي غير ذي علة ، فالصمت أفضل له من إلقاء الكلام جزافا ** فليكن كلامنا من أجل الخير، ومن أجل بث روح الإخاء ورأب الصدع وإفشاء السلام /