آخر الأخبار

تغرمت نايت عشة – 1 –

زايد وهنا 

هذا هو الاسم الأمازيغي الشائع الذي يتداوله أهالي قصر آيت عشة في تسمية قريتهم ، و هو أصغر قصور بني وزيم الثلاث التابعة للتراب البوذنيبي بإقليم الرشيدية .
و كلمة ( تغرمت ) هي تصغير لكلمة ( إغرم ) و تعني تجمع تسكاني صغير في قرية محاطة بسور ، و هو ما يسميه سكان الجنوب الشرقي في لهجتهم العامية ( بالقصر ) ، بينما يطلق عليه في مناطق أخرى من المغرب اسم ( الدوار )
أو ( المدشر ) .
و لعل تصغير اسمه بالأمازيغية ( تغرمت ) راجع إلى حب الأهالي له ، و ارتباطهم الوثيق به ، فرغم صغره و قلة عدد ساكنيه إلا أنه يحضى بمكانة رفيعة في نفوسهم ، حتى أن بعضهم يردد المثل الشعبي العامي المعروف :
قفة نحل خير من شواري ذبان
و هنا يحضرني قول الشاعر العربي السموأل :
تعيرنا أنا قليل عديدنا ** فقلت لها إن الكرام قليل
نعم هذا القصر الذي كان فيما مضى رمزا للتماسك
و مبعث القيم الإنسانية النبيلة هو الآن عبارة عن أطلال ، يتخيل للناظر أنه قصر مهجور منذ زمن بعيد جدا ، و لكن حقيقة الأمر أنه لم يهجر إلا في أواخر الثمانينات ، إذ أصبحت البيوت المتواضعة فيه لا تستوعب الأسر التي تزايد عدد أفرادها ، و من ناحية أخرى أضحى الأهالي يتطلعون إلى السكن في بيوت أكثر صلابة و اتساعا تتوفر على كل وسائل الراحة و الرفاهية التي استجد بها العصر الحديث ، مما استدعى بناء منازل جديدة غير بعيد عن القصر ، على الأراضي السلالية التابعة له ، و بانتقال الناس إلى بيوتهم الجديدة بعدما أخذوا من بيوتهم القديمة كل ما يمكن أخذه من أخشاب و دعائم الأسقف و غيرها مما يمكن التزود به للسكن الجديد ، أصبح القصر خرابا ينعق فيه البوم بعدما كان يعج بالحركة و الحيوية ، فلا تستطيع أن تحبس دمعك
و أنت تقف على أرسامه خصوصا إذا كنت ممن عاصر أمجاده .

عزيزي القارئ ربما قد يستفزك هذا المقال و تتساءل ما السبب في عنونته باللسان الأمازيغي ، و ما الدافع لاختيار هذا القصر و الحديث عنه دون بقية القصور رغم أنه صار في خبر كان و لم يعد سوى أطلالا و أرساما دارسة ، و لكن صدقني إذا قلت لك أن هناك عدة عوامل دفعتني لاختياره
و الحديث عنه ، لا لأنه محتد الأباء و الأجداد ، فهذا الانتماء لا يشكل لدي إلا جزءا بسيطا من مجموعة أشياء استرعت انتباهي و خلبت لبي و تركت أثرا لا تمحوه الأيام مهما تقادم العهد .
منذ نعومة أظافري كنت من حين لآخر أزور جدي
و جدتي اللذان كان يسكنان بهذا القصر ، و كانت الأيام القليلة التي أقضيها فيه من أحسن الأوقات و أسعدها ، أعرفت لماذا ؟

قصر آيت عشة هذا ، قصر صغير جدا محصن بسور به أربعة أبراج ، و مدخل واحد كبير له باب من ألواح الصفصاف السميكة ( فم القصر ) ، خلفه من الداخل منضدات من تراب ( الدكانات ) مرصصة على جانبي بهوه تنتهي بممر نحو المسجد الصغير ( تمزييدا ) و بين المنضادات تمتد سقيفة طويلة مظلمة تتفرع في آخرها ثلاث أزقة ( زقاقات ) ، كما أن للقصر مدخلين صغيرين تم نقبهما في السور ، يسميهما الأهالي ( النقبية ) لتسهيل الولوج إلى القصر من جهتي الشمال و الغرب ، بل هناك من البيوت من لها باب في السور يفضي إلى خارج القصر ، و كان الأهالي يتخذونها ممرا فيخترقون بيت صاحبه دون استئذان منه و هو أمر عادي بالنسبة إليه ، ما تبث يوما أن تضجر أحدهم من مرور أهل القصر بسقيفة بيته دخولا أو خروجا من و إلى القصر ،
و هذه واحدة من مميزات قبيلة آيت عشة .