آخر الأخبار

تداعيات مقتل الشاب الجزائري بفرنسا

محمد نجيب كومينة

الفوارق الاجتماعية الصارخة يمكن ان تنفجر في اي لحظة ومتى وجد من يشعل الفتيل، ومن شان انفجارها ان يهز الديمقراطيات الاكثر رسوخا و الدول القائمة على اسس ينظر اليها على انها صلبة ويجعل الشك يهز يقينيات متجدرة، و قد تكون لانفجارها تداعيات اخطر عندما يتزامن مع ضعف للقيادات السياسية و ترد للنخب و تدهور للقيم و للثقافة تنتج عنه انحرافات خطيرة، من قبيل ارتفاع منسوب العنصرية والعداء للاجنبي. هذا ماتعيد تاكيده الاحداث في فرنسا مند قتل اليافع ذي الاصول الجزائرية الذي كان بالامكان مواجهة سلوكه المنحرف بتطبيق القانون وليس بالقتل بطريقة بشعة.
ما يحدث بفرنسا اليوم، امتدادا لما حدث بالامس، يعكس ازمة فرنسية عميقة ناتجة عن عوامل عديدة، من بينها شيخوخة الساكنة الفرنسية و تغيرا عميقا في ثقافة الفرنسيين يدفعهم نحو المحافظة اكثر والعنصرية اكثر والعداء للاجنبي اكثر، لكن العامل الحاسم والمؤثر على ماعداه هو التفكيك المستمر للنظام الاجتماعي الفرنسي الذي تم تطويره باستمرار مند حكومة بلوم بين الحربين بتطوير نظام للحماية الاجتماعية يعتبر من اقوى الانظمة في العالم واكثرها انسانية، وذلك بالموازاة مع توسيع الطبقة الوسطى التي صارت خلال عقود المكون الاساسي للمجتمع و حامية الديمقراطية ومؤسساتها، حيث سارت فرنسا في العقود الاخيرة في طريق نيوليبرالي يازم النموذج الفرنسي و يهدم اسسه، و الظاهر ان ماكرون جاء لاتمام عملية الهدم، وهذا ما خلق فوارق تحولت الى هوة في مجتمع لم يعد يجد هويته في النموذج قيد النشوء بديلا للنموذج الذي تعود عليه، فالهوية الفرنسية ترتبط بهذا النموذج الذي ورث الثورة الفرنسية، مند ان انهاها دوغول بدستور 1958 والجمهورية الخامسية التي استعادت التقاليد الملكية الفرنسية، وليس بالتعددية السكانية والثقافية التي يستوعبها، رغم كل شئ، مبدا المواطنة كما حدده الفرانسيون كمبدا للاستيعاب Assimilation. تعمق الفوارق و فقدان البوصلة هما اللذان يفسران بشكل اساسي الانفجار بفرنسا بعد حادث كان يمكن ان يعالج بتطبيق القانون في حق من تعدوا حدود القانون و قتلوا يافعا متهورا .ه