آخر الأخبار

اوراق من ساحة المقاومة المغربية -2 –

أول اصطدام للحركة الوطنية .

وضع والدي منزله تحت تصرف هؤلاء الوطنيين ، ليعقدوا فيه اجتماعاتهم . وقد سمح لي هذا المناخ بالاطلاع ، عن كثب ، على الحركة الوطنية ، أثناء أولى نشاطاتها . ازددت فضولا لتتبع تطوراتها ، وتحركاتها إلى أن وقعت حوادث 1937 ، التي كان سببها فكرة خطرت لعبد الله إبراهيم تمثلت في تنظيمه للحرف التقليدية ، إذ كان يتصل بأعضاء كل حرفة على حدة ، ويدرس معهم مطالبهم ، ثم يدعوهم إلى اختيار مكتب يتولى السلطات المحلية تدبير أمور حرفتهم . وبذلك تكلف كل مكتب بتقديم عريضة المطالب إلى كانت هذه الفكرة من الأمور التي ميزت الحركة الوطنية ، في مراكش ، مقارنة مع باقي المدن المغربية . كانت أوضاع المغرب مزرية بشكل كبير ، وكان البؤس منتشراف كل مكان . وبرغم هذه الظروف كانت السلطة لا تتوانى في فرض ضرائب وجبايات قاسية أثقلت كاهل الحرفيين . وفي هذا الإطار عمد الباشا التهامي الكلاوي إلى فرض ضريبة على الناس سماها : ” ضريبة الدور والدور يعني : أداء مقابل للحراسة التي تمتعهم بها ، ليلا ، القوة التابعة له . كان قد خصص لتدريب قواته واجتماعاتها تكنة قريبة من ساحة جامع الفناء . وعين على رأسها قائدا يسمى ” الهميكي ” . أوكل لهذه القوات القيام بدورات ليلية تحرس فيها الأسواق ، والحومات . وفي منتصف الليل تأتي مجموعة إلى ساحة جامع الفناء – في مكان سوق الخضر قرب مقهى فرنسا -لتُطلق طلقات البارود ، والغرض من ذلك هو استعراض القوة ، وإعلام الناس بنهاية الدور ، وبمرور الحراسة في جو سليم . كان فريق منهم يردد :

ـ ” آآآآ عساس أعساس .

وكان فريق آخر يجيب : –

نعم أوى نعم .

آآآآ  عنداك أوى يديك النعاس .

فرض الباشا هذه الضريبة على الناس ، وأغلبهم حرفيون ضعفاء ، وفقراء حتى العظم . ومما زاد الوضع سوءا أن السنة التي فرضت فيها كانت سنة جفاف ، وانتشار للأمراض ، خصوصا مرض الحمي ، الذي أطلق عليه الأهالي اسم : ” التوفيس ” . انتشر في جميع الأنحاء ، بحيث كان من الطبيعي أن يعاين المرء في كل يوم جثتا مسجاة ، هنا وهناك ، في جميع الشوارع . في هذه الفترة ، عين المقيم العام الجديد نوغيس ، فأعد أعوان الباشا الذي كان آنئذ بفرنسا ، له ولرفيقه بول رماديي ، استقبالا كبيرا ، إذ فرض على السكان استقبالهما بالقوة ، وأرغمهم على إقامة احتفال على شرفه ، فأمر بأن يفرش السوق بالزرابي ، وأن تعلق اللافتات ، ترحيبا بالمقيم العام ، وأن تستقدم كل حرفة فرقة موسيقية على نفقتها . كما فرض على النساء العاملات في الشارع العمومي أو في السوق مثل بائعات الحريرة ، والخبازات ، أن يتصبن عرائس من قصب . وعلى ذلك الإيقاع ، خرج الجميع لاستقبال المقيم العام أثناء دخوله إلى مراكش . واتباعا للعادة في الاستقبال فقد أدخل من باب ( انقب ) ، وقدم له الحليب والتمر هناك . في هذه الأثناء فكر أعضاء الحركة الوطنية في استقبال المقيم العام استقبالا خاصا ، على الشكل التالي : جمعوا بؤساء المدينة – وهم كثر – في قيسارية الأحباس ، في السوق الممهد للسمارين ، بشكل سري بحيث لم يستطع جهاز الحماية اكتشاف عمليتهم ، ولا الاطلاع على تنظيمها . وأثناء زيارة وفد المقيم العام نوغيس صحبة رماديي إلى الأسواق كان يستقبل في كل قيسارية من لدن أعيان حرفتها ، ثم يمر وفدهما إلى القيسارية اللاحقة ، وهكذا دواليك . وحينما وصل الوفد إلى قيسارية الأحباس ، فتح بابها ، فانطلقت منها روائح كريهة كانت متجمعة داخلها . كانت مفاجأة كبيرة للوفد الفرنسي ، بحيث اتضحت لهم الوضعية المزرية لمراكش ، واتضح لهم بؤس أهلها . فوجيء الوفد باحتجاج الناس على السلطات ، التي فرضت عليهم ضرائب أثقلت كواهلهم ، ومنها فريضة الدور ، التي كانت رمزا للاستغلال ، والظلم ، والاستبداد . تمخض عن هذه الحادثة رد فعل عنيف من لدن سلطات الحماية والباشا الكلاوي فقرروا اعتقال كل عناصر الوطنيين ، وجميع العناصر التي كانت معروفة بمواقفها المناوئة للمستعمر ، ولإدارة الكلاوي ، وحكموا عليهم بالسجن ، وبالأشغال الشاقة ، أصدر هذا القرار خليفة للباشا يسمى أحمد الزموري . كان رئيسا لمحكمة الباشوية ، وكان مطلعا على الخطة التي رسمت للاعتقال المزمع تنفيذه ، والذي يخص كل المناوئين للإدار الفرنسية .