آخر الأخبار

المتحاوران : ورقة نقدية و صك مصرفي ( شيك )

محمد خلوقي

الورقة النقدية :

– آه لو تعلم كم من يد تتداولني وكم من جيب يخنقني ؟؟!!

الصك المصرفي ( الشيك ) :
– انا في الغالب يتم فصلي عن اخواني من الاوراق الفارغة ، ويتم دغدغتي بامضاء ناعم ، ثم يأخذني المعني بالامر بعناية وحرص فائقين ، وغالبا ما يستودعني مكانا آمنا ومريحا ، فأنام ممدودا وسط عُقود ونقود ،وحُلِيّ وعطور ومجوهرات ، وانتظر حتى يأتي دور صرفي وتحويلي الى اوراق نقدية من صنفك .

الورقة النقدية :

– أنت محظوظ ، أما انا فاخرج من المطبعة أنيقةً ، رشيقةً بَهيَّة الطلْعة ، فلا أعرف كيف وصلتُ الى يد ذاك البخيل المُقرِّش للمال؟؟ فيحبسني داخل خزينته لايام مديدة ،وشهور عديدة ، لا أرى النور الا عندما يفتح ُخزينته ليلقي برزمة من اخواتي اللواتي يعشن نفس وضعيتي ، وحين يُفرِجُ عني لا أكاد ارى نور الشمس حتى تتلقفني ،بسرعة البرق ،أَيادٍ لا تعطيني حتى الفرصة كي أتبين ملامح وجهها ، لكن مع مرور الوقت أعرف هويَّتها، من مثل يد ذاك الميكانيكي الذي أدخلني مرة وسط عُلبة مُتَّسخَة دون ان يبالي برشاقتي ولا بنقائي.. وعند المساء سلَّمني لجزار حومته ، فاجدني مرَّة اخرى غارقة ًوسط أكوام من اللحم والعظم ، واصوات آلات القطع ، ويَكبُر في الرجاء مرات ومرات لعلي أخرج الى فضاء أرْحبَ وأوسع، لكن حظي في كثير من الاحيان يكون سيئا للغاية ، خاصة حين أجد نفسي اختنق وسط علبة بائع السمك الذي يطبع جسدي المرهف برائحكة اسماكه المزكمة ،واذا حالفني الحظ وسقطت سهوا من جيب زبون ، تجدني بين يدي منظف الحي فاظل طوال يومي استنشق روائح الازبال والقادورات حتى يأتي الله بالفرج ..
– يا زميلي في كثير من الاوقات لا اعرف مقامي ولا وظيفتي ، واشفق على حالي ومآلي ؟؟ كيف جئت الى هذا العالم الغريب ؟؟وكيف صرت ورقة ملطخة بدهون الميكانيكي، وشحوم الجزار، وعطر السمَكيّ .. ، وتتفجر في دواخلي اسئلة محيرة :
– -هل جعلت كي يَقضي بي الاخر حاجته ومنافعه، ثم سلمني لغيره كي يقبرني بدوره داخل جيوبه كما يقبر خصوصياته واسراره؟؟
– هل أنا مجرد ورقة نقدية قيمتها فقط في امتلاكها، ولو بكل اشكال القوة والشراسة ؟
– -وهل، جعلت كي يكون مكاني هو الصندوق و السوق ، ويطاف بي معلقة وراء مؤخرات نتنة ؟؟!!
.. آه ..كم تمنيت جَيْبا رحيما يعطرني بالمسك ، ويدغدغني في احترام .. ولا يَسْعى بي  الى مجلس مُدام ،او طريق حرام.. انسان يعرف اني وسيلة ٌتُسْعدوتنقد ، ولست غاية تُعبد ، ويخاف عليها ان تُفقد .

فقال الصك المصرفي (الشيك) :
– لا تعتقدي ان مكانتي أسمى او أرقى منك ،فانا الاخر أعيش بعضا من معاناتك ،لكنها قد تكون بحدة أقل ،ربما بسبب قلة او محدودية تداولي بين عامة الناس ، لكن الذي لا تعرفينه اني اعيش احيانا حالات اتمنى لو كنت فيها عدَما ، ولا وجود لي اصلا ، وخاصة حين يتم تداولي بين فئة من النصَّابين واللصوص الذين يقدِّمون وصلي في صفقات مشبوهة ومدروسة .. ويضعونني ضمانة ، وهم يعلمون خواء أرصدتهم ، وكذب وعودهم ، ويدخلون ضحاياهم في متاهات وكوابيس من القلق وقلة النعاس ، بل احيانا يصلون الضحايا حد الافلاس ..فتجدني أتصنم بجانب الرجل المُفلس ،ينوح ويبكي كالثكلى ..يتأسف ويتحسر على زمن الخديعة والكذب ..ويزداد خوفي حين اجدني بين اوراق ومحاضر وقوانين و خواتم مخزنية تشوه جمالية شكلي.. فيزداد استغرابي من رجل يَنهبُ، واخر يُنهبُ ،وصكٍّ مسكين بين أيدي القضاةنارةً يُقلَّبُ، وتارةً على الارض يُضرب  . ثم أُصَفَّد وأحجز مع كومة من الاوراق ، وأظل انتظر يوم النظق بالحكم والعتق من الحجز ، وهذا اليوم ، يا اختي ، قد ياتي وقد لا يأتي .