آخر الأخبار

القاسم الانتخابي

تحاشيت لحد الان الخوض في شبه النقاش الجاري حول ما بات معروفا ب “التقاسم الانتخابي”، لانني اعتبره نقاشا يقفز على واقع الحال و لا يقدم ولا يؤخر.
القاسم الانتخابي ليس مجرد تقنية من ضمن تقنيات اخرى ممكنة اذا ما تم ربطه بالوضع المغربي و بالحياة السياسية الوطنية كما هما فعليا، بل هو تعبير عن ازمة انتقال سياسي لم يفض الى وضع اسس نظام ديمقراطي يقطع مع ارث الاستبداد الراسخ و يجعل المنافسة بين القوى السياسية مفتوحة ونزيهة وديمقراطية.
القاسم الانتخابي هو الحل الذي انتهت اليه الدولة كي تضع حدا لطموح حزب العدالة والتنمية الى محاصرتها و الضغط عليها باستعمال نتائجه الانتخابية، البرلمانية والمحلية، لضمان تصدره الحكومة وتحقيق التمكين الراسخ في الثقافة الاخوانية، وايضا لتواجه مشكلة اعوص تتمثل في عقم وترهل مختلف المنافسين المحتملين للحزب الاسلامي، سواء منهم الاحزاب الادارية، التي صنعت لتركيز السلطوية و لا يمكن تغيير حمضها النووي هذا اليوم او الاحزاب التاريخية التي يمكن القول انها باتت فاقدة للقدرة على الحركة المستقلة ومهددة بالسكتة الدماغية متى ازيل عنهاالتنفس الصناعي ، وهي المشكلة التي لم تجد لها الدولة حلا ب”البام” فيما سبق و يبدو انها باتت مقتنعة بان الاحرار المنتهي الصلاحية مند زمن بعيد ليس حلا.
ومن غير الوارد في الظروف الدولية والداخلية التي ستجري فيها الانتخابات المقبلة اللجوء الى التزوير او التلاعب بالنتائج.
القاسم الانتخابي و ازالة العتبة يعنيان ان الدولة اختارت ان تنقل خريطة المؤسسات المنتخبة، برلمانية كانت او ترابية، من حالة البلقنة التي جعلها نمط الاقتراع تاخذ الحجم المعروف الى تشثيتها و جعل كل مكوناتها في وضعية اقلية وايضا جعل اكبر عدد من الاحزاب المرخص لها يدخل نائبا الى مجلس النواب او مستشارين الى الجماعات الترابية، وهذا ما من شانه ليس فقط ان يربك التحالفات وتكوين الاغلبيات، بما فيها الاغلبية الحكومية،ان يشعر المواطنين جميعهم بالقرف من السياسة والسياسيين والاحزاب والمتحزبين وبشكل اكبر مما هو حاصل اليوم.
هكذا سيتم حل مشكلة اليوم لتنشا غدا ام المشاكل التي سيكون حلها عصيا على الدولة،اي الفراغ والكفر بالسياسة والديمقراطية، وهو ما لا يناسب المغرب و لا الدولة المغربية في عالم الغد، وما لا يمكن الاطمئنان اليه من طرف اي عاقل ينظر الى المدى البعيد ويهمه ان يحظى المغرب بمكانة معتبرة بين الامم والدول تجلب له ليس الاحترام فقط، بل والمنافع والتنمية التي نحتاجها للتحرر من هذا التخلف الذي انتج حزب العدالة والتنمية وباقي التوجهات المتخلفة وجعلها تتصدر مشهدنا السياسي والثقافي وتهبط بالوعي العام الى درك اسفل.
ان القاسم الانتخابي في البداية والنهاية عنوان ازمة وليس حلا لها، ومن المؤكد ان هذه الازمة ستستمر، وقد تتفاقم اذا لم يقتنع الشباب بانه معني بالقطع مع زمن وقوى الخرافة والدجل الايديولوجي والسياسي واذا لم يقم ما تبقى من المتنورين والتقدميين بدور شبيه بذلك الدور الذي قام به رواد الحركة الوطنية الذين استطاعوا تعبئة قطاعات عريضة من المواطنين، الذين كانوا في اغلبيتهم اميين، و تسييسهم، وكفوا عن العيش في الماضي او في انتظار الذي ياتي ولا ياتي، واعلنوا عن المواقف التي يجب ان يعلن عنها في وجه من وضعوا على راس بعض الاحزاب الوطنية والتقدمية وتبين انهم ليسوا الا مصلحيين وانتهازيين مستعدين لخدمة اي اجندة مقابل الفتات.
نحتاج الى احزاب تقدمية مستقلة بقراراتها وخياراتها و مؤسسة على اساس مشاريع مدروسة ومتجددة بحسب التغييرات المعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليس على اساس ذوات منتفخة حد المرض او خطابات عشوائية، و لحد الان يتبين ان هذه الحاجة لا تلقى استجابة، و لا يعول من كانوا سببا في استبعاد الاستجابة لها ان يصحوا هكذا بين عشية وضحاها، لا بد من تيار شبابي جارف كي يحصل ذلك. والعالم بعد كوفيد، فيما يبدو لي واتصور، سيعرف مجئ هذا التيار عالميا ولن نكون استثناء.

محمد نجيب كومينة