آخر الأخبار

الصدمة ونهاية الاوهام

محمد نجيب كومينة 

رفض مجموعة البريكس لترشيح الجزائر يستدعي ان نتوقف عنده لمعالجته من كل جوانبه، و بالاخص عند مجموعة من النتائج المترتبة عنه او التي يمكن ان تترتب عنه، بناء على تحليل هادئ لمعطيات موضوعية.
وساتوقف في هذه التدوينة عند جانب اساسي، بله الجانب الاهم، متمثلا في سقوط اساسات الدعاية التي اعتمدها النظام الجزائري مند عقود، و بالاخص مند نهاية العشرية الدموية التي ازهقت خلالها ارواح 250000 جزائري، و تم تكييفها بشكل كاركاتوري مند تولي الثنائي المرح شنقريحة وتبون.
ذلك ان النظام الجزائري عمد الى اقناع الجزائريين بان الجزائر قوة عظمى وضاربة، وزادت هذه الدعاية شراسة مند حدوث الانفصال في السودان الذي جعل الجزائر تصبح البلد الافريقي ذي المساحة الاكبر، والنظام الجزائري كان ممن عملوا على حدوث ذلك الانفصال الى جانب النرويج واسرائيل وكينيا، و اتجه الى اقناعهم كذلك بان هذه القوة الضاربة من حقها ان تفرض مشيئتها على جوارها، خصوصا وانه شعر دائما ان الجزائر الفرنسية التي ورثها، وورث معها المشروع الاستعماري التي كانت مندرجة في اطاره، تقوم على اقتطاع اجزاء من تراب هذا الجوار، سواء تعلق الامر بالصحراء الشرقية المغربية او بالاراضي التونسية او الليبية او بشمال ازواد التي يتبع جنوبها لمالي حاليا، وان الهيمنة على الجيران واخضاعهم للابتزاز بتهديد وحدتهم و استقرارهم و تنميتهم شرط وجود للقوة الضاربة التي تظل مفتقدة لما يوحدها ويحول دون تصدعها وانهيار بنيانها البالغ الهشاشة.
هكذا، فان النظام الجزائري قد روج لدى الجمهور الذي ارتبط بخرافاته او الذي دوخته دعايته بان الجزائر من حقها ان تحدد لكل بلدان الجوار حدودها بما يتلاءم مع حساباتها كقوة ضاربة، و لم تكتف في هذا الاطار بالتنكر للمغرب وتونس باصرارها على ترسيخ فكرة الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، وعلى اعتبار الاراضي التي ورثتها عن الاستعمار هدية والشئ الايجابي في الاستعمار كما قال الرئيس الاسبق بنبلة، بل انها اختارت ان تعمل على عرقلة ثم المساس بالوحدة الترابية للمغرب بشن حرب بواسطة التنظيم الانفصالي القبلي الذي احتضنته و سلحته و بشكل مباشر احيانا، كما حدث في معركتي امكالا و معركة بئر انزران وغيرها، غايتها فصل الاقاليم الجنوبية عن المغرب و عزل المغرب عن موريتانيا وافريقيا عامة وتحويله الى شبه جزيرة، وهو نفسه المشروع الاستعماري الذي قاد فرنسا ليس فقط الى منح الاستقلال لموريتانيا بسرعة مباشرة بعد استقلال المغرب، الذي رفض ذلك الاستقلال الى حدود 1969 و كان من وزراء اول حكوماته وزير موريتاني المرحوم حرمة ولد بابانا، وذلك بهدف فرض الامر الواقع، بل والى الحاق تيندوف وبشار و ادرار بالجزائر، ضد رغبة الساكنة التي رفضت المشاركة في الاستفتاء الفرنسي و عبرت عن تشبثها بمغربيتها، وذلك بهدف عدم ترك اي خط حدودي بين المغرب ومالي، التي ارتبط جزء من سكانها بالمغرب الى تمبوكتو منطلق دولة المرابطين، وليس موريتانيا كما يحاول البعض ان يروج ويزور حقائق التاريخ. وكان النظام الجزائري يمني النفس، او بالاحرى يتوهم انه سيكون بمقدوره الوصول الى المحيط الاطلسي عبر بوابة صحراء غربية يتحكم في كراكيزها و بالتالي حرمان المغرب من هذا الامتياز الجغرافي، الذي يؤرقه، وايضا محاصرته من المحيط كذلك وخنقه اقتصاديا واضعافه استراتيجيا و اخضاعه. و حسب الخرائط التي روجها النظام الجزائري مباشرة او بواسطة مرتزقته، فان هذا النظام لايهدف فقط الى فصل الساقية الحمراء ووادي الذهب عن مغربهما،بل انه وسع اطماعه الى كل المنطقة التي كانت خاضعة للاستعمار الاسباني: طرفاية وسيدي افني وايضا مناطق كلميم و طاطا وماجاورهما، بحيث رسمت الحدود المغربية من طرف المجانين على تخوم مناطق “اشليحات”، وهذه هي التسمية التي يطلقها الانفصاليون التابعون للنظام الجزائري على الامازيغ، والتي تنطوي على عنصرية لاتقل عن العنصرية الراسخة في الخطاب السري لنظام العسكر تجاه القبائل و ازواد والشاوية. و لا اظن ان بعض من يرددون الشعارات الجوفاء هنا من اصحاب النوايا الثورية، وليس العملاء الظاهرين والمتسترين، يجهلون كل هذا. و بالنسبة لتونس ايضا، فان النظام الجزائري لم يكرس قضم الاستعمار لاراضيها، و بمواجهة طلب الزعيم الحبيب بورقيبة بشكل اجلف عندما دعا بومدين الى حسم مسالة الحدود، بل ان “الحكرة” التي تم فرضها بجعل اراضي تونس مجالا للتلاعب والتهديد المستمر، ومنها مرتفعات الشعابني الحدودية التي كان ينطلق منها الارهاب الى تونس الى ان توقف بعد صعود قيس سعيد للرئاسة و قبوله خلال السنوات الاخيرة بان تتحول تونس الى ولاية جزائرية ضاربا تاريخ هذا البلد العريق الذي كان جزء من الجزائر تابعا له مند قرطاج، مرورا بالفاطميين و الحفصيين.
و لم يقف مرض النظام الجزائري، الموروث عن الجزائر الفرنسية كما سلف، عند حدود رسم الخرائط الخيالية ووضع الحدود الوهمية لجيرانه، بمن فيهم مالي والنيجر وليبيا، بل انه روج لدعاية لا تخطر على بال عاقل اليوم و لا نجد مثيلا لها الا في تاريخ الاستعمار والحمايات مفادها ان الجزائر، باعتبارها القوة الضاربة في المنطقة وعموم افريقيا، هي المؤهلة لتحديد الخيارات و العلاقات الديبلوماسية لدول الجوار و لتحديد السقف الذي لا يمكن ان تتجاوزه الا بموافقتها ورضاها، وهذا ما لم يتردد في ترديده على اعمدة الصحف واثير الاذاعة وصور التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي اشخاص معروفون بارتباطهم الوثيق بالنظام الجزائري وبمخابراته العسكرية، وقد سارت في هذا الاتجاه مجلة الجيش الاكثر تعبيرا عن حمق النظام ومن يسطيرون داخله. لذلك، فان النظام الجزائري ليس مهتما كما يعتقد البعض بتطبيع المغرب او موريتانيا او تونس او ليبيا او النيجر ومالي مع اسرائيل، بل انه يرى ان هذا التطبيع لا يمكن ان يحصل دون نيل موافقته، لانه يتوجس خيفة من ان يترتب عليه تقوية جواره، بتمكينهم من علاقات مع الامريكيين والاوربيين، و جعلهم قادرين على التصدي لاداه و اسقاط الاوهام والاساطير التي قام عليها النظام الجزائري و حرص عليها بدون ادنى تجديد او تكييف، اما المغرب، فانه يرغب في تركه منشغلا بالصراع معه طول الوقت كي ينشغل عن التنمية وعن المطالبة باراضيه في الصحراء الشرقية التي تتحمل فرنسا مسؤولية كبرى في اقتطاعها وضمها الى الجزائر عنوة، ووضع هذه الاراضي الى اليوم يلفه الغموض كما يلف استقلال الجزائر نفسها الذي يستند الى اتفاقية ايفيان الموقعة مع شخص كريم بنقاسم، بصفته قائدا لجيش التحرير وقتئذ، وليس مع سلطة وطنية قائمة او مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، التي تتضمن ملحقات سرية لم يتم الكشف عنها الى الان ولم يتم ايداعها لدى الامم المتحدة، وهذا مايفسر ما اثار الاهتمام مؤخرا في موقع الامم المتحدة الذي لا يشير الى الجزائر ضمن البلدان المستقلة، التي غيرت اسمها الاصلي او حافظت عليه، و لا في الاراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
لقد اسقط رفض البريكس طلب الجزائر كل اساسات دعاية النظام العسكري الجزائري القائمة على خلق وهم العظمة وشعور القوة الضاربة، بحيث انتبه العالم كله كما انتبه المواطنون الجزائريون الى ان الجزائر بلا اقتصاد، عدا الغاز والبترول الخامين، و بلا مؤسسات اقتصادية او مالية او ادارية او غيرها يعتد بها، و ان عملتها خشبية، و انها دولة منغلقة في وجه الاستثمار والمبادلات التجارية، وانها لا تلتزم بالاتفاقيات التي تعقدها، بما فيها اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي لسنة 2002، و انها تلعب دورا سلبيا في محيطها الاقليمي بشكل جعل المنطقة المغاربية الاقل انذماجا اقتصاديا بين دولها، وان مستقبل التنمية فيها يظل معلقا بمجهول، خصوصا وان الغاز والبترول اللذان تعتمد على عائدات صادراتهما بنسبة 98% و تعتمد عليهما بنسبة تفوق 60% لتمويل ميزانيتها، في ظل غياب نظام ضريبي حقيقي و قيمة مضافة قابلة للتضريب، وان محاسبتها الوطنية بلا مصداقية و حساباتها العمومية واحصائياتها تحتمل التزوير والكذب والنفخ، بل ان هناك شكوك تحوم حول تعداد السكان المقيمين في الجزائر، اذ يعتقد انهم يتجاوزن 30 مليون بقليل وان الرقم الذي يساق رسميا يضم المهاجرين، بمن فيهم ابناء الحركيين. واذا كانت الجزائر تتباهى بكونها بلا مديونية خارجية، وان كان قرار بوتين مؤخرا بمحو 5 مليار دولار من الديون الروسية قد كذب و زرع الشك، فان خزينتها و قطاعها العام مثقلان بدين داخلي كبير، اذ تقدره مؤسسات مالية دولية بما يعادل 102 مليار دولار، و تشير نفس المصادر الى ان مجموع مداخيل صادرات الجزائر لم تتعد 63 مليار دولار سنة 2022، رغم الغاز، مايعني انها تقل بحوالي 20 مليار عن مداخيل المغرب من العملة الصعبة، فالجزائر لايقصدها السواح الاجانب الا لماما، رغم ان وزير سياحتها كان قد تحدث عن 120 مليون سائح، اي اكثر من فرنسا و اسبانيا وايطاليا مجتمعين، و لا تقصدها الاستثمارات الخارجية الا نادرا وتغاذر بسرعة…
سقوط اساسات دعاية النظام الجزائري مفروض ان توقظ وعي الجزائريين بان كثيرا من الاوهام والخرافات يجب ان تترك جانبا و ان تدفع الى اعادة النظر في العدوانية التي تولدها في العلاقة مع الجيران ومع الدول العربية والافريقية و بقية دول العالم، وان تؤدي الى دراسة سبب الفشل الاقتصادي والندرة الدائمة على مستوى العرض، و الى تقدير موضوعي للخسارات الناتجة عن احتضان البوليزاريو و عرقلة الاندماج الاقليمي، والى انتفاضة الذكاء في مواجهة الغباء كي تنفتح امام الجزائر افاقا جديدة و لا يبقى مصيرها ومصير من يحكمونها معلقا بتوجيه الاتهامات للغير و بخلق شعور جماعي مرضي بالخوف من المؤامرات الحقيقية والوهمية، فالتامر الوحيد، ان شئنا استعمال نظرية المؤامرة، هو تامر الاستعمار الفرنسي الذي خلف وراءه بلدا بمساحة شاسعة، اغلبها صحراء، بساكنة محدودة تعيش نسبة 90% منها فما فوق في الشريط الساحلي المتوسطي، بينما بقية البلد شبه خالية، مساحة البلد، وما يتصل بها من حدود تركها الاستعمار لتكون مشكلة، بحيث يستحيل على الجزائر بعد الاستقلال تدبيرها وتنميتها و ايضا حماية حدودها بالكامل من كل الاخطار الا بثمن باهض جدا، مع الاخذ بعين الاعتبار الاوهام المولدة للعدوانية والمفجرة لمشاكل كانت الجزائر لتكون في غنى عنها.
لكن الذي يتبين في الايام الاخيرة انه رغم هول ووقع صدمة البريكس، فان العقل لم يتحرك و منسوب الجنون الهوياتي يرتفع، والدعاية الخرقاء تستمر، بحيث وصل السب والقدف في حق الملتحقين الجدد بالبريكس بدون استثناء، وبالاخص مصر و الامارات و اثيوبيا والارجنتين، الى درجة لن تترك الدول المعنية بدون ردة فعل، كما ان السب والقدف لم يسثن الهند والبرازيل و حتى روسيا، و يبدو ان الحدث خلق اكتئابا جماعيا وليس رئاسيا فقط و بشكل حرك ميلا الى الدعوة الى الانغلاق اكثر بدل الانفتاح المجدي والمفيد والمطور للقدرات، واولها القدرة على التفكير السليم العقلاني لمعالجة المشاكل و تغيير التوجهات، بل وتغيير الاتجاه.