آخر الأخبار

السلطة الأمنية كسلطة خامسة !!!  ماذا يحدث في فرنسا  و في كل الدول…

إدريس الأندلسي

تعلمنا كطلبة في كليات الحقوق أن السلطات المكونة  للدولة  الديمقراطية لا تزيد على ثلاثة. سلطة تنفيذية قد يراسها ملك أو رئيس منتخب أو منقلب على سلفه، قد يبحث عن  شرعية  بالرجوع  إلى  الدستور . وتأتي  سلطة تشريعية تنتج القوانين  و تراقب السلطة الأولى، ثم سلطة قضائية قد تكون مستقلة أو تابعة كليا أو  جزئيا للسلطة التنفيذية.  هكذا وصف فلاسفة السياسية الدولة من أفلاطون  إلى روسو و مكيافيل و مونتسكيو  وماركس  و فبير  و غيرهم.  تأسست مدارس للقانون و كليات للحقوق لتضع مواردا بشرية  رهن إشارة السلطات الثلاث من قضاة  و محاميين  و مشرعين  و مديري إدارات مركزية  و محلية.  و تطور أسلوب تدبير الدولة و ذلك مع تدخل  سلطة رابعة في ميدان اللعبة السياسية عبر إنتاج الخبر  و تحريره  و التعليق عليه  و الإسهام في صنع الآراء و التأثير على ما تمت تسميته “بالرأي العام”.  قيل أن هذه السلطة ستلعب دور المتابع للشأن العام بشيء من الموضوعية،  لكن آليات  و مؤسسات الصحافة وجدت نفسها في عمق العملية السياسية  و الإقتصادية  و تحول الصحافي إلى خبير يشتغل لحساب مقاولة و في بعض الأحيان إلى مخبر متعدد الخدمات و التخصصات.  و ككل مؤسسة تسعى إلى الربحية،   سعى مالكوها إلى حماية مصالحهم عبر ضمان تمويل مستدام مهما كانت مواقف من لهم سلطة توفير المال.  و لنا في خريطة مالكي الجرائد  و محطات التلفزيون  و مواقع التواصل الاجتماعي عبر العالم خير دليل على تشابك المصالح. 

و في ظل أوضاع اجتماعية عالمية تبين إرتفاع حصة اقلية من ثروات العالم  و تزايد عدد الفقراء،  ضعفت كل أنظمة الوساطة الإجتماعية و السياسية  و أصبحت نسبة المشاركة السياسية  و النقابية ضعيفة جدا. و بسبب كل هذا تطورت أمراض المجتمع بفقره  و هشاشته  و غياب عدالته و  زيادة عنفه،  و غابت،  بل  و انهارت ، آليات الوساطة  و غاب منسوب الثقة في كل المؤسسات. من يتابع ما يحصل في فرنسا  لا يمكن أن تغيب عنه نتائج سياسات اجتماعية أدت منذ عقود إلى خلق بؤر كبيرة للفقر  و التوتر الإجتماعي المرتبطة بالإقصاء العنصري و التهميش في بلد رفعت ثورتها في القرن السابع عشر شعار ” الإخاء  و المساواة  و الحرية”.

جمهورية فرنسا ذات الثقافة ” الاستعلائية ” لا تقبل التعددية الثقافية  و العرقية  و الدينية  و هي التي استعمرت دولا في آسيا  و أفريقيا  و أمريكا.  تريد كل فرنسي مهما كانت جذوره أن يكون كذلك الإنسان ” المتخيل أنه الأصل  و الكاثوليكي  و المتحضر” الذي يسمونه بفرنسي العرق  و الأصل و هذا يناقض النموذج الانجلوساكسوني الذي يفتح باب التعبير الثقافي و الديني في وجه الجميع.  و الآن و بعد أن اشتعلت الأزمة  و زاد منسوب العنف، لا يكاد يسمع  إلا صوت السلطات الأمنية من درك  و شرطة. 

أصبح أمر مواجهة الأزمات و خصوصا تلك التي يتسبب فيها أصحاب القرار الإقتصادي  و السياسي موكولا للشرطي  و الدركي.  مؤسسات الدولة المنتخبة  و تلك التي تم تعيينها  تختبئ وراء أعضاء الجسم الأمني.  الأمر ذو طابع يمتد على مدى الجغرافيا. نعيش تحولا لا قدرة للسلطات التقليدية على مواجهته. و في  ضوء ما تقدم،  لا يمكن أن ننسى أن بلادنا تعرف مظاهر ضعف السلطات  و مؤسسات الوساطة من أحزاب و نقابات  و صحافة تعيش غياب مؤسسات منتخبة. كلما أساء سلوك بعض المنتخبين المرتشين إلى سياسة التعمير،  يتحمل قادة السلطات الأمنية عبىء تصحيح أخطاء  و جرائم من اغتنوا بسلطة تمسكوا بها ،بدعم من احزابهم،  و امتنعوا عن الخضوع للمحاسبة.  تقع المواجهات في أطراف المدن التي طالها نسيان المتابعة  و المراقبة،  و تتحمل القوات الأمنية ثقل تصحيح الأوضاع  و لو على حساب السلامة الجسدية لأعضائها. 

هل لاحظ أهل القرار السياسي  و جزء  مهم منهم ينعم في الجهل  و الجهالة  و الاثراء غير المشروع، أن المواطنون لا ينتظرون كثيرا منهم.  إسم المدير العام للأمن الوطني أصبح يبعث على الاطمئنان لدى المواطنين أكثر من أي  وزير أو رئيس مجلس منتخب.  و كل هذا يظهر ثقل المسؤولية الأمنية.  و هذه الوضعية غير مرغوب فيها في دولة وضعت دستورا متقدما منذ  1962  و زادت من صلاحيات السلطات المنتخبة سنة   2011 لكي  تلعب كل مؤسسات الدولة ادوارها  التي تهدف إلى التغيير الهيكلي في الإقتصاد و  التدبير الإجتماعي.  لا يمكن أن تدفع المؤسسات بقواتها الأمنية إلى إصلاح ما يتسبب فيه المفسدون. 

 

 فرنسا تجني  حاليا نتائج  سياساتها الإقصائية  و نسيانها مبادىء دستورها  و كثير من حقوق الإنسان  و ستجد كثيرا من الصعوبات في ظل تراجع منظومة قيمها لكي  تبني إطارا جديدا  للتعايش المجتمعي. و لا يمكن استسهال دور بعض المؤسسات المخابراتية ذات الارتباط التاريخي بفرنسا في تأجيج الصراع  و العمل على استمراره . من المؤكد أن العمل جار على الصعيد المخابراتي لتحديد مصادر التصعيد. 

الدولة القوية تحتاج إلى رجال الدولة الأقوياء  و ليس إلى مجرد تقنوقراط أو محترفي الحيلة الانتخابية الذين يختفون في جحور العار كلما ظهرت أزمة  اجتماعية. لا زالت صور أبناء الشعب من  الامنيين المنتمين للطبقات الشعبية في مواجهة اثار الأزمة الإجتماعية التي عرفتها مدن الحسيمة  و جرادة  ماثلة أمامي.  حاولوا التعامل بهدوء  و صبر مع وضعية صعبة عرضت حياتهم للخطر.  و خلال تلك الأزمة كان اللاحضور السياسي قبيحا  و مخزيا.  و بعد أن عاد الإستقرار عادوا  و تقدموا للانتخابات  و لم  يخجلوا.  القوات الأمنية لا تريد أن تصبح سلطة ” خامسة”  أيها  المتقنون لآليات السيطرة على المجالس التشريعية  و الترابية.  و حتى  يفهم من العنوان أن الأمن الوطني كل لا يتجزأ، وجب التذكير بأن كل الدول لا تحافظ على مصالحها بالخطابات  و الثقة في كل مكونات محيطها.  الأمن منظومة متكاملة يجب أن تظل قوية لحماية الأمن داخل  و خارج الوطن.  و لا يجب أن يتم اغراق هذه المنظومة في قضايا الاستيلاء على العقار و الجرائم التي يقترفها المسؤولون و إصلاح ما يفسده العطار. و أفضل حل لكي لا ينظر إلى بلادنا من زاوية تكثيف الفعل الأمني هو تكثيف الرقابة  و محاسبة المسؤولين و زجر كل فعل يضعف ثقة المواطنين في مؤسساتهم.