آخر الأخبار

الساكت عن الفوضى و الرداء شيطان أخرس

 محمد خلوقي
حين يَفْقد المرء حاسة الذوق والتذوق السليم ، تنعدِم عنده القدرة على التمييز ، ويتساوى عنده الماءُ الطاهرُ مع ماءِ مجاري ِالصَّرفِ الصحي .هذا ما صار عليه المتلقي العربي المعاصر ، من إقبال مَحموم ، ومسعور على تلقي وتقبل التفاهة والرداءة في كل المجالات ، دون ادنى ردة فعل معقولة وموزونة ، مما ساهم في زيادة نشاط وسائل التواصل بكل انواعها المرئية والمسموعة ، في إمطار السذج -من المستهلكين البالعين- ببرامجَ وافكارٍ ضلالية، ومواد من (الروتيني )اليومي ، ورقصات خليعة ، وأغاني منحطة . ويتسيَّد عملية الاسفاف والتدني ، بعض من اخطاء بشرية ، تخرَّجت بامتياز من مدرسة التفاهة والرداءة والنجاسة ، وبَنَت لها احلاما دنيئة ، فصارت تنشد نجومية وَهميَّة،وتسعى الى استرزاق غير شريف ، هذه الفئة الفاعلة نبَتَتْ في غفْلة من الرقابة التربوية للاسرة والمجتمع والقيم ، فهم اُناس لا وعي ، ولا ثقافة ،ولا مبادئ لهم ، سىوى شطحات حداثية مقلوبة ومشروخة، ممزوجة بوهم غريب ، وفهم عجيب ، يعتقدون معه بانهم يقدِّمون نفعا للمجتمع ،والحقيقة ان القوم ضلوا الطريق ، حتى بات يصدق عليهم قوله تعالى في سورة الكهف ( قلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا*).

واعتقد ان العيب ليس في مسحوق الحِناَّء فقط ، بل كذلك في الاعضاء المُخضَّبة، والمشوهة اصلا ( اي اليد والكف والارجل ).
ولو تأملت ، ايها القارئ اللبيب ، ما حولك ستجد طغيان تفاهة سلوكية ،وانحرافات فكرية ، وتطرفات عقدية ومذهبية ، وانبطاحات سياسية ، وعُقد نفسية ، وتناحرات طائفية وعرقية .. وستلاحظ ان عليها اقبالا منزايدا ، دون تورع ، او نية في الادبار .والننبجة ان صار شكل هذا الطَّلاء ،ونوعية الحِناء، مناسبا لمثل هذه الاكف المثقوبة ، والارجل المعطوبة ، بل يمكن ان يصدق عليهما المثل السائر ( وافق شنُّ طَبقة ).
نعم ان مستوى المتلقي والتلقي بلغ قمة الانحطاط والإسفاف ، والحُبِّ الجمِّ للتفاهة والرداءة ، والسبب كون هذا النوع من المتلقي العربي ،لم يأخذ نصيبه من التربية العقدية الصحيحة، المؤسسة على الفطرة السليمة ، و لم يحصل على التكوين الفكري العقلاني المتوازن والذي يستند في ابجدياته الى اصول التحليل و النقد ،والتمييز بين الصالح والطالح ، بين الغث والسمين ، بين الجودة والرداءة.
و اعتقد ان ما صرنا اليه وعليه ، يتحمل مسؤوليته الجميع ، بدء من الاسرة ،والمدرسة ، والمسجد ، مرورا بالاعلام ، والاحزاب ، وصولا الى الحكام والمسؤولين عن قيادة شعوبهم .
اننا اليوم ،امام تراجع خطير ، في المنظومة الاخلاقية والفكرية والقيمية والتربوية ، وان ايقاع التراجع والانحدار يَهوِي بنا بسرعة مقلقة .
لهذا فكل واحد منا مطالب من موقعه ومسؤوليته وضميره، ان يعمل صادقا وجاهدا على محاربة هذه الفوضى والرداءة ، بكل ما يملك من موهبة، او كفاءة فكرية او فنية ، لابد للأقلام النائمة ان تستيقظ ، والاصوات الخجولة ان تصدح، وان تعمل على إشاعة الجمال واعادة النسق والنظام دون مبالاة او تخوفات من تزايد فطريات القبح والفوضى .لانه لا يصح الا الصحيح ، ولا يبقى ويدوم الا ما ينفع الناس .
ولهذا فمَن يملك فكرا نقيا ، و قلما سخيا ، عليه ان يمسح به خربشات الاوساخ ..
ومن يملك صوتا طروبا وشجيا عليه ان يقاوم به النشاز ..
ومن يملك موهبة الرسم او الموسيقى او التمثيل عليه ان ينخرط في هذه المعركة حتى يعلو صوت الجمال، والحسن ،والنسق ، ويندحر جيش القبح ،والفوضى ، ويُهزم دون رجعة .
وإلا فان سُكونَ الفرد، وسكوته سيدخلانه تحت التوصيف المذموم (الساكت ُعن عن الفوضى والرداءة ، شيطان أخرس )

محمد خلوقي