آخر الأخبار

التعليم  و التجارة و غياب الرقيب 

إدريس الأندلسي

يتزايد الضغط المالي كل سنة على الأسر التي اختارت،  لظروف معينة، أن  تسجل أبنائها في المدارس الخاصة. تبحث الأسر عن مبررات الزيادات المتتالية في رسوم التسجيل  و التأمين  و النقل المدرسي  و اللوازم الدراسية فلا تلقى جوابا مقنعا لا من طرف المدارس الخاصة  و لا من طرف الوزارة. أجور رجال  و نساء التعليم الخاص تظل شبه مجمدة  و تكاليف التسيير  و التأطير التربوي لا تعرف إرتفاعا كبيرا،  و رغم كل هذا يعاد تشغيل نفس الاسطوانة كل سنة للرد على تساؤلات الأسر.  

يشكل التعليم الخصوصي حوالي 15%% من مجموع التلاميذ  و الطلبة ببلادنا الذي يتجاوز 10 ملايين. و لا يوجد أي إطار قانوني يحدد أسعار تقديم الخدمة التعليمية الخاصة.  هناك بالطبع فروقات في مستويات الأسعار بين المدارس الخاصة تشبه إلى حد بعيد ما يحدث في الفنادق السياحية.  هناك مدارس خمسة نجوم التي ” تضمن” خدمة تؤدي إلى القبول في المدارس العليا  و هناك مدارس نجمة أو نجمتين التي توجد في الغالب  وسط الأحياء الشعبية التي تقطنها الطبقة الوسطى.  و الكل  يعرف أن مدارس  خمسة نجوم لا تسجل التلاميذ لديها إلا بعد  التأكد  من تميزهم  ودرجة تحصيلهم الدراسي.  و لهذا تعرف نتائج هذه المدارس ارتفاعا  بالمقارنة  مع غيرها. و غالبا ما تلجأ المدارس الخاصة لمدرسين يشتغلون في المدارس العمومية و تتعامل معهم في إطار إتفاق خاص او شبه سري يسهل التهرب الضريبي.  و لعل المتتبع لما جاء في الإجراءات  الجباءية في قانون للمالية لسنة  2023 قد لاحظ   الزيادات الضريبية التي مست هذه الفئة من الأساتذة.  و الغريب في الموضوع هو الفرق في المجهود المبذول من طرف الأستاذ  حين يحط الرحال في المدرسة الخصوصية بعد تلك الساعات التي يقضيها في المدرسة العمومية.  هذا الأمر لا يهم إلا جزءا من الأساتذة  و خصوصا ذوي الاختصاص في المواد العلمية.  أما أساتذة هذا القطاع  و موظفيه فغالبا ما تنقص اجورهم  و حقوقهم بكثير عن القطاع العام. أغلبهم يعيش هشاشة اجتماعية  و غياب حماية من طرف المصالح العمومية المختصة  و حتى من طرف بعض النقابات.

و يظل السؤال الجوهري هو تراجع المدرسة العمومية رغم تزايد  الجهد المالي الكبير الذي تتحمله الميزانية العمومية منذ سنوات كثيرة.  و بالطبع يظل التفوق الفردي  و التميز ملتصقا بالمدرسة العمومية  و لكن هذا التميز يبقى محدودا في اقلية تلقى دعما  و تأطيرا أسريا متواصلا  و قويا بالإضافة إلى أساتذة اكفاء ذوي عزيمة و إلتزام. ارتفعت ميزانية التعليم من 49،4  مليار  درهم سنة 2010 إلى حوالي 86 مليار درهم، بما فيها ما تم تخصيصه لقطاع الرياضة، سنة 2023  و ظلت الحالة العامة للقطاع كارثية. و هذا ما أكدت عليه أشغال الدورة الأولى العادية للمجلس الأعلى للتعليم  و التكوين و البحث العلمي  التي انعقدت في يناير 2023.  أبرز  الوزير بن موسى أن  حوالي  300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا. التمدرس بالعالم القروي يصطدم بضعف المستوى المالي للأسر  و هو ما يؤدي إلى هدر كبير يطال البنات أساسا. يضاف إلى هذا ضعف الكفاءات الدنيا لدى الطلبة  و هو ما جعل بلادنا تحتل المرتبة 77 على 79 بلدا في هذا المجال.  الأمر يزداد ضعفا بالنسبة للقراءة مع احتلال الرتبة 75 عالميا و الأمر ينطبق أيضا على الرياضيات التي يتميز فيها قلة من التلاميذ المغاربة عالميا. المهم هو أن العمل على ترقية التعليم يتطلب مجهودا مجتمعيا  و سياسيا لتعبئة كل الطاقات لتجاوز هذه الوضعية الصعبة.  هناك مخطط يمتد إلى غاية  2026 يهدف بالأساس إلى بلوغ هدف تحقيق مدرسة عمومية ذات جودة.  ولا يمكن إلا أن نتمنى النجاح  و التنزيل الصحيح لهذه الخطة.

في ظل هذا الوضع يظل سؤال اعتبار الخدمة التعليمية كسلعة لها أسعار  و تخضع لقانون العرض  و الطلب  و ” الماركوتينغ” و الاشهارات على كافة وسائل الإعلام  و الإتصال مطروح بقوة. طموح الأسر يؤدي بها إلى تضحيات جسام ،حيث تبيع الغالي  و النفيس لضمان نجاح الأبناء.  و السوق لا ترحم لا في مجال التعليم  و لا في مجال الصحة  و كافة الخدمات الإجتماعية. هل سيظل مسؤولونا في سبات أمام ما يقع من ابتزاز للأسر أم ستتحرك آليات التقنين لوضع حد للفوضى التي تعرفها الأسعار و التي تتجاوز، في بعض الحالات،  أكثر من 8  الاف درهم سنويا بما في ذلك نفقات التسجيل.  و لقد عرف الكثير من المغاربة،   من  المصنفين  ضمن  الطبقة الوسطى ،حالات هشاشة خلال جائحة كورونا دفعت بهم إلى إخراج أبنائهم من المدرسة الخصوصية إلى المدرسة العمومية.  نتذكر ذلك الشد  و الجذب بين الأسر  و هذه المدارس  لتسلم الشواهد المدرسية للانتقال إلى القطاع العام و ما صاحبه من تراجع في نسبة تلاميذ المدرسة الخصوصية على المستوى العددي للتلاميذ. الأمر لا يجب أن يترك للتفاهمات غير المجدية  و لكن للتقنين الذي يربط التكلفة لدى القطاع الخاص بهامش ربحية معقول مع معاملة ضريبية تأخذ بعين الاعتبار دور القطاع الخاص الجدي في الإستثمار الوطني التربوي. و الأمر يتطلب كذلك إعادة النظر في رفض طلب الأسر الخاص باعتبار تكاليف التدريس قابلة للخصم  قبل احتساب الضريبة على الدخل  و لو بنسبة  50%. هذا الخصم يوازيه تخفيف عبئ الإستثمار  و التسيير على ميزانية الوزارة بنسبة 15% سنويا  و هي نسبة التلاميذ  و الطلبة في القطاع الخاص.