آخر الأخبار

استدراج ُالمِقْلَم* لإسكاتِ القَلَم والنَّغَم .

محمد خلوق

اليوم غير الامس ..
فمن يمتلك قلما حُرا نقيا ، او صوتا عذبا شجيا ، عليه أنْ يُراقب أولا تصرفات مِقْلمه او ما أسميه استعارة (بالقلم السُّفلي )، وأنْ يُغلق عليه كل النوافذ والمنافذ كي لا يتسلَّل في غفلة مالكه ، وينفلت هذا العضو من بين فجوات ملابسه الداخلية -بشهوة ، أو بغير شهوة -ويوقِعَهُ في المِحَنِ والفِتن ، ويسلُكَ به دروب الحَرج والهَرْج *والمَرَج *.
فأصحاب الاقلام الحرة صاروا في زمن الاتهامات مطالبين بأن يتخلصوا من فطرتهم البشرية ، ويتحوَّلوا من بشر الى حجر ، او على الاقل ان يركبوا سفينة الزُّهاد والرُّهبان ، ولا يقربون النسوان ، لا بالنظرة ، ولا بالهمسة ، ولا بالمصافحة ، فما بالك بالافتتان ، فعَسَسُ السلطان وعيونُه تراقب المكان ، وتضع أجهزة للمراقبة والمتابعة .. فإياك يا صاحب القلم ان تستهويك نون النسوة ، او تراودُك عن نفسك ، فتُوقِعك إحداهن من حيث لا تدري ، ثم تشتكيك الى من لهم مصلحة في اعتقالك وسجنك ، وساعتها يا مالك الحبر والمداد ..لن ينفعك سيلان القلم ، لان قلمك السُّفلي اي ( مِقلمك )صار عندهم هو الطريق الوحيد ، والملف السديد للخلاص من نيرانك وانتقاداتك ، فإن ألْجَمْتَ العُلْوي نجوْتَ، وإن أخرجت السُّفلي غَفْوت وهفَوْت ، والى المتاهة غدَوْت َ..
يا صاحب القلم والنغم …
اعلم ان كل الأعينِ تغُضُّ الطرف عن باقي الاقلام السُّفلية في كل انحاء الكرة الارضية ، لكنها تنشط وتشخص حين يتعلق الامر بقلمك الشخصي اوصوتك الثوري ،فيُنقِّبون ويفتشون في مذكراتك ، وتحت وسائدك ، وملابسك وجواربك الداخلية ، وعلاقاتك القديمة بحثا عن دليل الادانة، وان تعذر ذلك ، تفننوا في تحويل -غريب وعجيب -لقطرة حبرك وصوتك المقدس الى قطرات مَنيِّ مهين ، او دم من شذوذ جنس مُدنَّس ومدلَّس ، ويقدموه كاقوى دليل وبرهان ، عن جنوحك وجنونك في افتضاص بكارات الحِسان ، وستتعجب بأن الأقارب قبل الأباعد سيتحدثون عن ذلك ، وقد يُصدقون الزعم ، وينصرفون عنك ، بل يتناسون قطرات الحِبر التي طالما أسَلْتَها في سبيل الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم ، وقليل منهم من سيَذْكرون او يَتذَّكرون نضالاتك ودفوعاتك عن وطن تُفضُّ بكارته – يوميا – بغير رغبة ، ولا إذن ، ولا شرع ولا قانون ..
ما أسوأ حالك يا صاحبي ، حين تَُضعُ كل َّالنساء في خانة الشك .. فينْظُر إليهنَّ قلمُكَ بتوجُّس ، وريية وحذر ، فان نظرتْ إليك إحداهُنَّ ، او اقتربت ْمنك ، او حتى بادلتك َ أَحاسيس إنسانية ً.. تسلَّل اليك سوء الظن ، وكَبُر فيك الخوف ُ من أنْ تُوظَّفَ صورةٌ عابرة ، او لقطة ٌ شاردة إلتُقِطَت ْ في غفلة منك ، او محادثة عادية سُجِّلت وحُورَّت مضامينها ،ستتفيق حينها من وهم الحرية ، وخاصة حين يُنسج بخبث ودهاء من تلك الوقائع المنتخبة ، محاضر ٌواتهاماتٌ
تصير فيما بعد دليلا لإدانة قلمك البريء .
ما أصعب َان تكتب َ اليوم او تصدح تحت رقابةٍ جائرة ، او تُهمة غادرة.
وما أسوأ ان ترفع َالقلمَ ، وتُحاك لك تهمة ُالقلم.
وما أقبح ان يَجلِد السَّوْط ُالصوت َ حتى الموت

شروحات وتوضيحات :

* ١-والمِقْلَم : قَضِيب الجمل والتيس والثور وقيل هو طرَفه، وجمعه مَقالِمُ ( عن لسان العرب )
* وقد استعرتُ لفظة (القلم بدل المقلم) للرمزية الى القضيب .
* ٢-الهَرْج: الفتنة
* ٣-المرج: القلق