آخر الأخبار

إنه الوقت لتأهيل الحكامة  أو  لنسيانها ببلادنا 

إدريس الأندلسي 

إنه الوقت لكي نقف وقتة رجل واحد  و مؤسسة واحدة  و قيمة واحدة  و عزم واحد  و إيمان واحد لتنظيف البيت الداخلي المغربي من الغرباء المسيطرين على الشأن  العام. و قد نكاد نجمع، كشعب،  على وبال ما، يشبه الديمقراطية،  خطير على مستقبل الوطن. تصالح نظامنا السياسي مع الحركة الوطنية بعد المسيرة الخضراء  و بعد الإجماع الوطني الذي رافقها. نسينا الماضي بعد سنوات الرصاص  و نظمت جلسات تلفزيونية تشبه ” فضح ” ممارسات قمعية حصلت منذ بداية الاستقلال.  و في ذلك شيء من الذكاء في قراءة التاريخ المعاصر.  دار بريشة و دار المقري مكان  واحد.  الأول شهد تعذيب مناضلي حزب الشورى  و الاستقلال على يد بعض ” مجرمي ” حزب الاستقلال ” و الثاني شهد فظاعات بعد أن سيطرت أطر فرنسا المغاربة على أجهزة أمنية بعد ظهور الإختلاف حول كيفية تدبير الشأن السياسي في بدايات الاستقلال.  و أستمرت الفظاعات في درب مولاي الشريف و  مختلف مراكز الاختفاء القسري  و وصولا إلى السجن المركزي بالقنيطرة.  و وصلت مرحلة الكشف عن تزمامرت لتنهي مرحلة الصراع حول مشروعية الحكم  و تفتح مرحلة سميت بالتناوب مع ما رافقها من أمل في القضاء على ماض لا يشرف. 

الأمر الحقوقي في تطوراته الإيجابية الأولى أحدث رجة كبرى على صعيد التعامل مع حقوق الإنسان و ما اطرها من اتفاقيات دولية.  تطورت الصحافة الحرة  خلال مرحلة و تطورت حرية التعبير  و ارتفع منسوب الثقة في المؤسسات.  لكن مظاهر الردة  و الرداءة كان مهندسوها بالمرصاد  لما تم إنجازه بعزيمة ملكية.  شبكات الريع السياسي و الإقتصادي لم تستسغ المسيرة الجديدة نحو الحداثة  و الديمقراطية.  اعدوا العدة، بمن فيهم بعض أشباه المناضلين اليساريين ،  ليوقفوا مسلسل التصالح التاريخي  و يفتحوا الباب من جديد على تقنوقراط  و كأن الوزير الأول اليوسفي  و حزبه لا يسايران متطلبات مرحلة جديدة رغم تقدمهما الانتخابي في سنة 2002 .  و كان ما كان من  قبول قيادة  الإتحاد  الاشتراكي  للوضع  الجديد  ما  كان  سببا  في ما سيعرفهم حزبهم  إلى  اليوم. و حصل  الضعف   و غاب  الفاعل  الحزبي التقليدي ليحل محله كائن جديد بعضلات و مال و جاه و سلطة.   و أستمرت  محاولات لإضعاف الأحزاب  الوطنية  و تهيئة ظروف لبزوغ ما سمي  ” بالوافدين الجدد” في شكلهم الجديد  و ذلك الذي أريد له أن يتجدد لكي يتقمص كل الأقنعة.  جاءت مجموعة هجينة، أصبحت حزبا قيل أنه سيربط الأصالة بالمعاصرة ،  و لكنه لا يزال يبحث عن المفاتيح بعد أن جرب ستة رؤساء من كافة أطياف السياسة بعد أن عانقوا سراديب النوم العميق.  ويظهر أن السادس من بينهم يخلط كل الأوراق بعد أن تمت  إزاحة بن شماس  و “غيب ” الياس العماري. قيادته الحالية خليط من الناس،   يتحدث زعيمهم في كل القضايا مع التركيز على القضايا الفرعية  المهيجة و نسيان أن الممارسة الديمقراطية و المحاسبة لكل من يدبر الشأن العام هي أولوية الأولويات لتقوية مؤسسات الدولة. القيادة تجمع  صاحب  المال  بصاحب الماضي  اليساري  و صاحب  المستوى  الدراسي  البسيط  وكلهم  في مناصب  القرار. و نفس المسار عرفه ” حزب الإدارة التاريخي” الذي انقلب فيه صلاح الدين  مزوار على  مصطفى المنصوري  و تولى زعامته عزيز اخنوش مهمة قيادته  بعد عثرة  مزوار   إلى أن  وصل إلى رئاسة الحكومة . و أمطرت السماء وزراء  و وزيرات قيل في امرهن ما قيل  إلا  الرابط السياسي بالحزب.  أما  حزب الاستقلال، فبالرغم من تجدره التاريخي،  لا زال  يفاجئ مناضليه  بغرباء  كوزراء و وزيرات. مغرب مشروع الدخول إلى ميدان الدول الصاعدة  يحتاج إلى كفاءات أكبر  بكثير مما هو موجود في الحكومة  و الجهات  و الأقاليم و المدن. 

و كل هذه التطورات تذكرنا بتاريخ صراع حول الإصلاح الدستوري انطلق قبل سنة 1962 ليزداد تاججا  بعد انتخابات  1963 بعد خلق ما سمي آنذاك ” بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية”  تحت قيادة أحمد رضا جديرة  و مصاحبة قيادة الحركة الشعبية  و جزء من حزب الشورى و الاستقلال.  و لم تنجح الجبهة في الدفاع عن ” المؤسسات الدستورية ” قتفرتقت” بعد إعلان حالة الاستثناء سنة 1965. ما جرى بعد هذا التاريخ كان كبيرا  و خطيرا على بلادنا.  تم اختطاف المهدي بن بركة   و ازدادت كثافة التوتر بين القصر  و الأحزاب الوطنية  إلى أن ظهرت خيانات داخل الجيش من خلال محاولتين انقلابيتين فاشلتين ضد  الملك الراحل الحسن الثاني.  و الحمد لله على هذا الفشل.  و رغم كل ما حصل،  ظل الوضع السياسي رهين الإختلاف حول الإصلاحات الدستورية إلى أن بدأت التوافقات التي أدت إلى مرحلة التناوب. 

كان الأمل كبيرا بعد هذا التناوب  و تجربة الإنصاف  و المصالحة إلى أن  بدأ البعض في تعتيم الأجواء بعد نوع من الخوف أصابهم جراء تطور حضور الاسلاميون في  المجتمع  و السياسة.  أرادوا مصارعة الاسلامين  على أرض الانتخابات فاضعفوا الصف الحداثي  و الاشتراكي  و ادخلوا إلى الممارسة السياسية صنفا جديدا من الانتهازيين الجدد  و ليس الديمقراطيون الجدد. تراجع حضور الإتحاد الاشتراكي  و معه حزب الاستقلال  و حتى الحركة الشعبية  و تحالف حزب التقدم  و الاشتراكية مع حزب رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بن كيران.  فاختلطت الأوراق سياسيا  و اقتصاديا  و أصبحت الحكومة تسبح،  بعد دخول حزب الأحرار الذي عوض حزب الاستقلال،  بأمر من أمينه السابق شباط، في بحر من  اللاتوافقات مع مكونات حكومة غير منسجمة في الأساس.   و انقلب السحر و انقلب الحليف على حليفه رغم كونه كان الممسك بكل الوزارات  و البرامج  و الملفات الكبرى.  و كانت شهرزاد  قد سقطت في فخ شهريار  و توقفت ألف ليلة و ليلة. 

و يستمر اليوم شريط الاخفاقات السياسية في ظل سوء تدبير أزمات سياسية  و بيئية.  و يستمر معه تغييب مصالح المواطنين  و اضعاف قوتهم الشرائية.  قبل سنتين كان حزب الأحرار يسيطر على أهم الوزارات، فانقلب على العدالة و التنمية.  و بعد الانتخابات الأخيرة تحالف مع حزب الاستقلال و العدالة و التنمية  و لا زالت الانتظارات الشعبية قائمة. و لولا البرامج الملكية لما مر تعميم التغطية الإجتماعية  و القانون الإطار  للإستثمار  و لما  وجدت تقارير كتلك التي صاغتها لجنة النموذج التنموي الجديد الذي لا زالت الحكومة تبحث عن آليات تنزيله. الأمر لحد الآن لا يتجاوز الخطاب عبر برنامج حكومي  و كلام خلال نقاش قانون المالية  و قوانين أخرى.  أما عمق النموذج التنموي في مجال الحكامة في كافة المجالات فلا زالت بعيدة عن التنزيل. 

 و لا زال المواطن ينتظر تحسين الأوضاع. و لا زالت الحكومة غير منسجمة  في تحديد الأولويات  و مخاطبة الفئات الإجتماعية بنفس الخطاب.  فما بين نزار بركة الهادئ  الصامت  و وهبي صاحب الخرجات غير الموفقة  و عزيز اخنوش ممثل الطبقات الميسورة،  تسير مركبة الحكومة في بحر تتطلب حالة هيجانه ربانا في مستوى المرحلة الراهنة. هذا الربان يجب أن يخفف وزن فريق التدبير السياسي المحلي  و الإقليمي  و الجهوي  و الوطني من أشباه المسؤولين. قيل أن الربان  و مساعديه أعطوا وعودا لفاسدين بعدم مس سلامتهم ما داموا منبطحين.  و قيل للناس أن اصبروا على ما أصابكم من مدبري شؤونكم لأنكم  أنتم من صوتتم عليهم.  و من هنا يفتح باب العزوف عن  السياسة  و كره مؤسسات الدولة  و التشكيك في المدرسة  و المستشفى  و المحكمة  و الإدارة.  و من هنا تبدأ الثغرات التي تؤدي إلى اعتبار من اغتنى بطريقة غير شرعية بطلا سياسيا يحتل المناصب  و يخون الوطن. يبيع التزكيات  و يبحث عن من له رصيد انتخابي من الأعيان الأغنياء بغض النظر عن التوجه السياسي  و ” حاشاكم ” الايديولوجي. و هذا الأمر أصبح ممارسة في أحزاب  وطنية كان لها تاريخ.  سأل أحدهم  رئيس أحد الأحزاب التقدمية ” مازحا” عن شروط حصوله عن تزكية انتخابية.  فأجابه  بسؤال كبير: ” على كم من  البطاقات الوطنية تسيطر”؟ أما قائد اخر، فيقال أنه جاب البلاد طولا  و عرضا موزعا للتزكيات ” ببلاش ” كما قال أهل مصر. 

هذا الوطن يحتاج إلى رجة نفسية  و سياسية لكي يظل قويا بتلاحم جميع مكوناته تحت قيادة شرعية  و تاريخية يقودها بصراحته المعهودة أب المغاربة و ملكهم الذي يخاطبه المغاربة: ” ملكنا واحد،  محمد السادس “