آخر الأخبار

أولياء الله في شعر الملحون: رابعة العدوية

أولياء الله الصالحين في شعر الملحون (ديوان عبد القادر بوخريص المخطوط) رابعة العدوية 

سعيد فلفل

نظم الشاعر الفقيه عبد القادر بوخريص قصيدة في مدح السيدة رابعة العدوية، إسم أشهر من نار على علم في عالم الزهد و التصوف.
يقول بوخريص في حربة هذه القصيدة :
” طالبك يا لالة ربيعة حرمت من ولاَّك ** يا لعدوية نترجاك.”
وهي قصيدة في قياس قصيدة الغيبة لسيدي عبد القادر العلمي.
قصيدة بوخريص كلها شوق و توق للظفر ببركة و سر هذه السيدة الزاهدة العابدة المتصوفة الناسكة. وكلها توسل عبرها إلى الله قصد تخليص الذات الإنسانية من دنس الدنيا و السمو بها إلى المعالي، إلى عالم الصفاء و الطمأنينة الروحية. و قضية التوسل بالصالحين قضية شغلت كثيراً فقهاء الأمة و علمائها. حيث يرى بعضهم أن التوسل بالصالحين هو توسل بأعمالهم الصالحة و مزاياهم الفاضلة. وهو يدخل تحت ما يسمى “الوسيلة” التي أمرنا بها الله. ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا الوسيلة و جاهدوا في سبيل الله لعلكم تفلحون.” سورة المائدة، الآية 35. إذ أن اعتقاد المسلم اعتقاد راسخ بأنه لا خالق إلا الله و ان الإسناد لغيره لكونه سببا لا لكونه خالقا أو معبودا من دون الله. و الوسيلة هي ما يتقرب به إلى الغير، و المراد بها في الآية كل عمل طيب يُتَقَرّب به إلى الله تعالى، و مراعاة سبيله بالعلم و العبادة.
رابعة العدوية ” سيدة العاشقين”، الزاهدة العابدة ، رمز الحب الإلهي. إسمها رابعة بنت إسماعيل العدوية و تكنى ” أم الخير”. ولدت حوالي عام 100 للهجرة في مدينة البصرة بالعراق. كانت هي البنت الرابعة لأبويها، لذا سميت رابعة. أما لقب العدوية فهو راجع لانتمائها لقبيلة تدعى بني عدوة.
عاشت رابعة العدوية ظروفا أسرية في غاية الصعوبة؛ إذ توفي والدها و لم تبلغ 10 سنوات من عمرها و سرعان ما لحقت والدتها بأبيها. عاشت البنات الأربع حياة اليتم مبكراً و هن في فقر مدقع وعوز كثير و حرمان بالغ. ضرب جفاف قاس مدينة البصرة و تفرقت السبل بالأخوات الأربع. عانت رابعة من الجوع و التشرد. تم اختطافها و بيعها لتاجر أثقل عليها بالعمل و الأشغال و كان قاسيا جدا. في يوم خرجت رابعة لقضاء حاجة لسيدها، طاردها شخص يضمر الشر، فاختبأت ثم أخذت تناجي ربها لكي يحفظها. كانت هذه اللحظة فارقة في حياة رابعة كما يذهب إلى ذلك المفكر عبد الرحمن بدوي في كتابه “شهيدة العشق الإلهي”. إذ يرى أن هذه اللحظة في حياة رابعة تعد نقطة التطور الحاسمة في حياتها الروحية.
نالت رابعة حريتها وهناك مصادر ترى أنها انغمست في حياة اللهو و الملذات إلا أن مصادر أخرى نفت هذا المنحى في حياة رابعة و تؤكد أنها نشأت عابدة متبتلة، إذ حفظت القرآن و الأحاديث منذ نعومة أظافرها.
كان لقاؤها برجل صوفي من البصرة يدعى رياح بن عمرو القيسي نقطة التحول في مسارها الديني الصوفي، مسار أدى بها إلى الزهد و التصوف. تأثرت رابعة كثيراً برياح القيسي كما تأثرت بمتصوف آخر إسمه إبراهيم بن أدهم. كان حب الله هو صلب عقيدتها الصوفية و محور زهدها و نسكها. يروى عنها أنها كانت إذا صلت العشاء طلعت إلى سطح منزلها و شدَّت عليها درعها و خمارها ثم قالت : ” إلهي! أنارت النجوم، و نامت العيون و غلَّقت الملوك أبوابها و خلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامي بين يديك.” ثم تقبل على صلاتها فإذا كان وقت السَّحَر و طلع الفجر قالت :” إلهي! هذا الليل قد أدبر و هذا النهار قد أسفر، فليت شعري! أقبلت مني ليلتي فأهنأ، أم رددتها عليَّ فأعزى؟ فوعزتك هذا دأبي ما أحييتني و أعنتني و عزتك لو طردتني عن بابك ما برحتُ عنه لما وقع في قلبي من محبتك.”
يرى بعض الدارسين أن الحرمان و الشقاء الذي عاشته رابعة أوصلها إلى حياة الصفاء الروحي و التوق نحو الله بواسطة حب غير مشروط. ثقتها في الله وركونها و اطمئنانها إليه كان نتيجة لصبرها الكبير على مشاق الدنيا. حرمانها من الحب الدنيوي جعلها تبحث عن حب باطني و كانت تسعى إليه بكل شوق و لهف و لذة. كان وجودها يختزل في حب الله. كان هذا الحب الإلهي هو محور حلقاتها و أقوالها الصوفية. سألها أحد المريدين عن سر عبادتها و حبها للخالق فقالت : ” إنما أعبده لذاته. أفلا يكفيني إنعامه عليّ بأنه أمرني أن أعبده.”
كانت رابعة العدوية المرأة الأولى التي أدخلت فكرة الحب الإلهي الطاهر في الفكر الصوفي حسب المستشرقة الألمانية آن ماري شيمل.
عاشت رابعة حياتها على الزهد و التعفف و عبادة الله و الإخلاص في حبه وقد ابتغت هذا المنهج طريقا لمحبة الله وحده دون غيره لا يشغلها عنه صديق أو رفيق أو زوج أو مال أو ولد أو متاع.
لرابعة العدوية أشعار كثيرة في حب الله نسوق بعضا منها.
أحبك حُبين حب الهوى ** وحُباً لأنك أهل لذاك
فأما الذي هو حب الهوى ** فشغلي بذكرك عمن سواك
وأما الذي أنت أهل له ** فكشفك لي الحُجْب حتى أراك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ** ولكن لك الحمد في ذا و ذاك
و من أقوالها أن سفيان الثوري قال لها ذات يوم :” صفي لي درجة إيمانك و اعتقادك بالله جل و علا، فقالت رابعة : إني لا أعبد الله شوقا إلى الجنة، ولا خوفا من جهنم، وإنما أعبده لكمال شوقي له ولاداء شرائط العبودية.”
توفيت رابعة العدوية سنة 189 هجرية و هناك من يقول سنة 185 و دفنت بالبصرة في العراق.
هناك من يخلط بين رابعة العدوية و سيدة أخرى تدعى رابعة الشامية دفينة القدس.
قصيدة من الملحون المغربي في رابعة العدوية
نظم الفقيه عبد القادر بوخريص الفاسي القرار والاقبار
اللازمة
طالْبٓكْ يٓا لٓالٓة رٓبيعٓة، حُرْمٓتْ مٓنْ وٓلّٓاكْ
يٓـا آلْعٓـدْوِيٓة نٓـتْـرٓجٓاكْ
نٓـبْـغيـكْ يٓا آلْعٓدْوِيٓة عٓنِي اتْغيرْ
عوريطْ مٓنْ اكْساكْ اسْرارْ ☆ وٓشْفاكْ مٓنْ اضْرارْ الدٓارْ
وٓعْطاكْ بٓالرْضٓى تٓحْرارْ
داوي اجْراحْ لُـبِّي ☆ يٓفْرٓحْ بيهْ قٓلْبي
وٓنْفوزْ بٓالدْوٓى وٓ الرّاحٓة وٓ الفٓرْحْ وٓ الْهْنٓى بينْ ارْبوعْ اوْسيعْ
نٓـتْـحٓلّا بٓـثْـناكْ ☆ وٓ العْفو نٓرْجٓا مٓنْ مولاكْ
قسم الاول
عاري اعْليكْ لٓـحْـتُ ما نٓـبْـقاشي افْـقيرْ
هٓذْ السْقامْ راهْ ادْهاني * وٓسْراتْ ليعْتُ فٓدْهاني
مٓنْ كُلْجيهْ ما نا هاني
وٓقْداتْ نارْ تٓـعْـبي * وٓمْحايْـني اوْ رٓغْـبي
وٓشْكيتْ ليكْ تٓنْجٓدْني مٓنْ ما ضٓرْني اوّٓرّٓتْ جٓسْمي للٓضّيعٓة
حالي ما يٓخْفاكْ * جودْ لي بٓحْسانٓكْ وٓرْضاكْ
القسم الثاني
طالْبٓكْ يٓا لٓالٓة رٓبيعٓة، حُرْمٓتْ مٓنْ وٓلّٓاكْ
يٓـا آلْعٓـدْوِيٓة نٓـتْـرٓجٓاكْ
ما لي اسْنيدْ وٓلٓا وٓالي وٓلٓا اعْشيرْ
وٓللِّتْ كٓالْغْريبْ افْحالي * مٓوْحولْ مٓنْ اهْمومْ اوْحالي
وٓضْهٓرْ ما خْفٓى تٓـنْـحالي
عٓني أشْـتٓـدْ كُـرْبي * وٓمْعاهْ طالْ تٓعْبي
وٓجْوارْحي اضْعيفٓة وٓعْضايا فاشْلٓا اوْهينٓا وٓالدّاتْ اوْجيعٓة
وٓلٓا صٓبْتْ افْكاكْ * كٓنْباتْ اسْهيرْ افْلٓحْلٓاكْ
القسم الثالث
خُبْرٓكْ يا الْعٓـداوِيٓة لينا اشْهيرْ
فٓزْتي امْنٓ آلْغْني بٓكْرايٓمْ * الْمٓجْدْ وٓ الدْوٓا وٓغْنايٓمْ
وٓالعٓزْ وٓ القْـبولْ الدّٓايٓمْ
شٓلٓا ايْحٓدْ خٓطْبي * وٓبْراعْتي اوْحٓطْبي
نٓلْتي افْضايْلْ اكْثيرٓة مٓنْ مولٓاكْ خافْيٓا وٓشْهيرٓا وٓ ارْفيعٓة
سٓرْ اللهْ اكْساكْ * ما يْخيبْ اللِّي رامْ احْماكْ
القسم الرابع
عٓني طالْ ضٓري وٓضْحيتْ اكْمٓ الْيْسيرْ
وٓلٓا اجْبٓرْتْ مٓنْ يٓفْديني * وٓعْلِـيٓا ايْخٓـلّٓصْ ديني
وٓيْكونْ لي انْبيهْ الْديني
وٓ النّٓالْ بيهْ طٓلْبي * وٓيْدودْ عٓنْ طٓلْبي
وٓيْغيثْني ابْعٓزْمو وٓنْكونْ اوْصيفْ ليهْ طايٓعْ الٓخْلٓاكْ امْطيعٓة
وٓ الطّايٓعْ يٓرْضاكْ * وٓالقْبيحْ العاصي يٓتْرٓاكْ
القسم الخامس
طالْبٓكْ يٓا لٓالٓة رٓبيعٓة، حُرْمٓتْ مٓنْ وٓلّٓاكْ
يٓـا آلْعٓـدْوِيٓة نٓـتْـرٓجٓاكْ
لٓكِنْ يٓا الْعٓداوِيٓة دٓنْبي اكْثيرْ
وٓرْجيتْ خالْقي يٓسْمٓحْ لي * وٓجْميعْ ما افْسٓدْ يٓصْلٓحْ لي
وٓاللِّي ايْحٓـبْـني يٓـفْـرٓحْ لي
مٓـهْـما انْـحوزْ طٓـبِّي * وٓيْـبيـدْ بيهْ عٓـطْـبي
نٓجْنِي اثْمارْ وٓزْهارْ امْنٓ ارْياضْ السْرورْ وٓنْوٓاوٓرْ كُلْ ارْبيعٓة
مٓـسْـقِـيٓا بٓـنْـداكْ * كيفْ نٓسْقٓا جٓبْحي مٓنْ ماكْ
القسم السادس
نٓرْجٓا ايْغارْتٓكْ يٓزْها لِـيٓا ما انْـديرْ
هٓذٓ اشْحالْ وٓآنٓا حايٓرْ * وٓ النّومْ مٓنْ اعْياني طايٓرْ
وٓصْبٓرْتْ عٓنْ كُلْ امْرايٓرْ
وٓ اليومْ بانْ عِيبي * وٓخْبٓرْ بيهْ شيبي
وٓكْسا اشْواهْدي وٓعْداري وٓعْيِيتْ ما نْكايٓدْ فٓوْصافْ اللِّيعٓة
عٓني طالْ امْناكْ * امْدْرٓا تٓسْخا لي بٓدْواكْ
القسم السابع
للهْ سارْخيني يٓهْوٓانْ لي آلْعْسيرْ
وٓيْطولْ فٓالْمْديحْ آلْساني
وٓتْعودْ مالْيٓا كيساني * مٓنْ الصْفٓا حٓساني
غٓرْضي ايْكونْ كٓسْبي * بٓمْحٓبْتي اوْنٓسْبي
نٓرْقٓا عْلٓى الْمْعالي مٓنْ فٓضْلْ اللهْ وٓ النْبي نٓتْمٓتّٓعْ تٓمْتيعٓة
فٓآللِّي ما يٓخْفاكْ * مٓنْ امْواهٓبْ الٓغْني تٓدْراكْ
القسم الثامن
طالْبٓكْ يٓا لٓالٓة رٓبيعٓة، حُرْمٓتْ مٓنْ وٓلّٓاكْ
يٓـا آلْعٓـدْوِيٓة نٓـتْـرٓجٓاكْ
مٓدٓا ارْغٓبْتْ وٓمْدٓحْتْ آهْلْ القٓدْرْ الْكْبيرْ
وٓ لٓا اجْبٓرْتْ مٓنْ يٓسْخا لي
وٓقْوٓا امْنٓ الضْنا تٓـنْخالي * وٓعْرٓفْتْ بينْ بُرْجي خالي
مٓنْ ما اجْناهْ غٓتْبي * وٓجْهالْتي اوْعٓتْبي
وٓنْدمْتْ عٓنْ افْعالي وٓطْلٓبْتْ اللهْ العْفو بٓآهْلْ الْجٓدْ اشْفيعٓة
مٓنْ مٓثْلٓكْ وٓسْواكْ * ما نْرٓا باسْ اوْلٓا نٓهْلٓاكْ
القسم التاسع
شٓفّٓعْتْ ليكْ بٓآهْلْ آلْبُرْهانْ افْكُلْ ديرْ
طالٓـبْ خالْـقي يٓـرْحٓـمْـني
فالضّيْ وٓ الدْجٓا يٓكْرٓمْنِي * مٓنْ ما طْلٓبْتْ ما يٓحْرٓمْني
وٓيْجودْ لي ابْرٓغْبي * وٓيْعودْ كُلْ زٓغْبي
مٓنْ شوري امْبٓعّدْ ما يٓوْصٓلْني تٓشْواشو مٓحْجوبْ امْنٓ التّرْويعٓة
مٓتْوٓجّهْ لٓبْهاكْ * مٓنْ اغْرامي فٓمْديحْ اسْناكْ
القسم العاشر
نٓهّيتْ حُلْتي يٓا راوي بٓحْري اغْزيرْ
وٓسْلٓامْنا اعْلٓى مٓنْ سٓلّٓمْ وٓصْحابْنا اوْكُلْ امْعٓلّمْ * وٓجْميعْ مٓنْ اصْبٓحْ يٓتْكٓلّمْ
حٓضْريهٓا وْ عٓرْبي * وٓ العارْفينْ عٓرْبي
وٓآسْمي اوْضيحْ عٓبْدْ الْقادٓرْ من سادْ بالرْضٓى وٓتْوٓسّعْ تٓوْسيعٓة
وٓزْهٓى بينْ اتْراكْ * بٓالْمْديحْ ارْقٓى علْى الٓفْلٓاكْ
طالْبٓكْ يٓا لٓالٓة رٓبيعٓة، حُرْمٓتْ مٓنْ وٓلّٓاكْ
يٓـا آلْعٓـدْوِيٓة نٓـتْـرٓجٓاكْ