آخر الأخبار

منتخبو مراكش… وجوه محفوظة ووعود منتهية الصلاحية

أنا لا أهوى السوداوية، ولا أبخس مجهود أي مسؤول، لكن الواقع في مراكش يصرخ بصوت أعلى من أي خطاب. الظلام يبتلع الشوارع، البطالة تتصاعد، الأسعار تحرق الجيوب، والخدمات العمومية تنهار أمام أعين الجميع. وعود المنتخبين لم تعد حتى رمادًا، بل صارت رمادًا منسيًا، فيما المواطن يعيش بين الكلام الكبير والفعل الغائب.

من جليز إلى المحاميد، ومن المسيرة إلى سيدي يوسف بن علي، الإنارة تكاد تكون معدومة. الأعمدة القديمة ما زالت شاهدة على زمن مضى، ودفاتر التحملات مجرد أوراق بلا قيمة، إلا في بعض شوارع وسط جليز حيث أُجريت “عملية تجميل إعلامية” لتُعرض أمام الكاميرا. خارج هذا النطاق، المواطن يتلمس طريقه بين الحفر والظلام، ضاحكًا من بؤسه، أو باكيًا… لا فرق.

أما الحفر؟ فحدث ولا حرج. الأحياء الشعبية تحولت إلى نسخة من ملاعب الغولف: حفر عميقة في كل شارع وزقاق. المواطن يقفز من حفرة إلى أخرى كأنه لاعب أولمبي في تدريبات لألعاب القوى، بينما المنتخبون يلتقطون الصور أمام عدسات الإعلام ليقولوا: “كل شيء بخير!”

النقل العمومي فصل آخر من الكوميديا السوداء. حافلات مهترئة، أشبه بصناديق حديدية مهملة، يُحشر فيها المواطنون كسلع رخيصة. منذ أربع سنوات والوعود تتكرر عن “أسطول جديد”، لكن الواقع ثابت: نفس الحافلات، نفس الأعطال، ونفس الزحام. الركاب يتركون أرواحهم بين المقاعد المكسورة والتهوية المعدومة، فيما المنتخبون يبتسمون للكاميرا: “كل شيء بخير!”

أما الاقتصاد المحلي؟ فهو على أكتاف سياحة منهارة هذا الصيف. الجميع شاهد الركود، الفنادق فارغة، المطاعم نصف خاوية، والغلاء يطرد الزوار قبل أن يدخلوا المدينة. ومع ذلك، يفضل المنتخبون صور “الابتسامة الرسمية” على مواجهة الحقيقة.

الصحة والتعليم؟ مأساة مضاعفة. المستشفيات مكتظة، مواعيد السكانير مؤجلة لأشهر، الأدوية ناقصة، وأطفال يموتون على الطريق. في التعليم، قلة الإعداديات والثانويات والمعاهد المهنية تجعل الشباب يعيشون بلا بوصلة. البطالة تتفاقم، المشاريع غائبة، وكل شيء يتحول إلى مشهد من مسرحية عبثية بطلها مواطن مسحوق.

أما المجلس الجماعي؟ فهو نسخة فريدة من “التوافق السياسي” الذي قتل أي صوت معارض. لا نقد، لا مراقبة، مجرد جوقة واحدة تعزف نفس اللحن. المواطن يصرخ في الظلام: “أين المحاسبة؟” والجواب يأتي بابتسامة باردة: “كل شيء بخير!”

المدينة صارت مسرحًا كبيرًا للسخرية: طرق محفرة، أزبال متراكمة، إنارة ضعيفة، حافلات متهالكة، وشباب يركض وراء حلم العمل في سباق لا نهاية له. الوعود تتكرر، تُرفع شعارات، ثم تُنسى، وكأننا في حلقة من مسلسل يعاد كل موسم انتخابي بنفس الأبطال وبنفس الحوار.

والأدهى؟ نحن على أعتاب الانتخابات: سنة تفصلنا عن التشريعية، وسنتان عن الجماعية، والمنتخبون لا يرون إلا الكاميرا، لا المواطن. نفس الوجوه، نفس الوعود، نفس المسرحية… فيما المدينة تغرق أكثر في الظلام.

المنتخبون يواصلون الابتسام. الوعود احترقت، الواقع ينهار، والمواطن هو من يدفع الثمن. كل موسم انتخابي يعيدون إخراج المسرحية ذاتها: ممثلون محفوظون، جمهور متعب، ومدينة تنتظر فصلًا جديدًا من السخرية السياسية.