أشعل مرسوم تحديد أسعار الأدوية أزمة غير مسبوقة في صفوف نقابات صيادلة المغرب، تكشف هشاشة العمل النقابي وانقسامات حادة بين المركزيات الكبرى والكونفدرالية الوطنية. فبينما تصر الفيدرالية الوطنية، والنقابة الوطنية، والاتحاد الوطني على أن الوزارة أبدت “إرادة جدية” للاستجابة للمطالب، تمثل الكونفدرالية، حسبهم، أقلية صغيرة تسعى لتشويش الحوار الاجتماعي وفرض أجنداتها الخاصة.
المفارقة تكمن في حجم الوقفة الاحتجاجية الأخيرة التي نظمتها الكونفدرالية، إذ حضر حوالي 160 صيدليًا من أصل 14 ألفًا على المستوى الوطني، وهو رقم لا يرقى إلى مستوى “الحشد القوي” الذي تحاول الكونفدرالية تصويره. النقابات الثلاث اعتبرت أن هذه المغالطات تكشف عن نزعة تضليلية تهدف إلى تغطية فشل قيادة الكونفدرالية في التأثير على مسار الحوار.
من جانبه، حاول رئيس الكونفدرالية محمد الحبابي تبرير موقفه بالقول إن الاحتجاجات تعكس سخط الصيادلة على “تجاهل الوزارة لملاحظاتهم”، متجاهلاً أن الهياكل النقابية الكبرى كانت حاضرة في كل اللقاءات وحققت تقدماً ملموساً. الحبابي أضاف أن الكونفدرالية تضم جميع التيارات السياسية، وهو ما أثار علامات استفهام حول مدى حيادها في الدفاع عن مصالح الصيادلة بعيدًا عن الأجندات السياسية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق يكمن في الملاحظات على مشروع المرسوم، إذ اقترحت الكونفدرالية تخفيض أسعار الأدوية المكلفة التي تمثل أكثر من نصف نفقات الضمان الاجتماعي، بينما فضلت الوزارة تخفيض أسعار الأدوية الرخيصة التي لا تؤثر فعليًا على الصندوق، ما يهدد استقرار المنظومة الصيدلانية ويجعل التحرك الاحتجاجي مجرد مظاهر احتجاج شكلية بلا أثر حقيقي.
في المحصلة، الأزمة تكشف عن ازدواجية المسؤولية: نقابات تتنازع بين المصالح الفئوية والأجندات السياسية، ووزارة تتأرجح بين حماية اللوبيات متعددة الجنسيات ومتطلبات الصحة العامة، فيما المواطن هو الطرف الأكثر تضرراً من صراعات النقابات وضعف الحوكمة في قطاع حيوي كالدواء.