آخر الأخبار

محكمة “اللايكات” أقسى من محكمة القانون

في هذا البلد لم نعد بحاجة إلى قضاة ولا إلى محامين. يكفي إشاعة صغيرة، أو بلاغ غامض، لتتحرك جيوش “البوز” وتعلن حكمها النهائي: مذنب!
هكذا وببساطة، يتحول إنسان من مواطن له حقوق إلى مادة للفرجة، وجثة تُنهش على الشاشات قبل أن يكتب المحضر أو ينطق القاضي.

ثلاثة أيام قضتها شابة في ضيافة الحراسة النظرية، ثم خرجت بقرار الحفظ لانعدام الأدلة. لكن هل انتهت الحكاية؟
لا. لأن محكمة الشارع كانت أسرع، وأقسى، وأكثر شراهة. هناك لا وجود لقرينة البراءة، بل لقرينة “الترند”.

منصات صارت تتنافس في من يلتهم اللحم البشري أولًا، ومن يبيع الوهم بألوان مثيرة. صحافة لا تخجل من اقتحام البيوت، ولا تتردد في نشر الصور والأسماء، وكأن الكرامة مجرد “إعلان تجاري” يدر عليهم الأرباح.

المثير للسخرية أن كل هذا يجري تحت عيون مؤسسات يُفترض أنها مسؤولة عن الأخلاق المهنية: مجالس صامتة، نقابات نائمة، وفيدراليات تبحث فقط عن حصتها من الدعم العمومي.
أما “المهنة” فماتت منذ زمن، ولم يبقَ سوى حفاري القبور الذين يقتاتون على جثتها.

الإعلام عند هؤلاء لم يعد سلطة رابعة، بل صار سلطة إعدام. يوزع التهم كما توزع النشرات الإعلانية، ويصدر الأحكام كما توزع الأغاني الرخيصة على “اليوتوب”.
صحافة تتحالف مع الغرائز ضد العقل، ومع البوز ضد الحقيقة، ومع التشهير ضد القانون.

اليوم كانت الضحية شابة بريئة، وغدًا قد يكون أي واحد منّا. يكفي أن تتعثر قدماك لتجد نفسك وجبة دسمة على موائد “الفضائح”.
ولأن هذا النوع من الإعلام لا يعرف الشبع، فسيظل يبحث عن ضحايا جدد ليضمن البقاء على قيد “المشاهدات”.