صفقة بملايين الدراهم لتهيئة شارع علال الفاسي تثير تساؤلات كبرى حول رؤية المجلس الجماعي لمراكش
في خطوة أثارت الكثير من الجدل في الأوساط المحلية، فازت شركة إسبانية بصفقة ضخمة لتهيئة شارع علال الفاسي، أحد أهم المحاور الطرقية بمراكش، بقيمة مالية قاربت 97,67 مليون درهم.
الصفقة رُسيت على شركة CAMPEZO الإسبانية، وسط صمت رسمي من المجلس الجماعي، الذي يشرف بشكل مباشر على هذا المشروع دون إشراك شركة التنمية المحلية Mobility، المعروفة بتدبيرها لمشاريع النقل الحضري، وعلى رأسها مشروع الحافلات عالية الجودة (BHNS).
الغريب في الأمر، أن شارع علال الفاسي كان من المحاور الأساسية المبرمجة ضمن الشبكة المستقبلية لـ BHNS، بل إن دراسات سابقة أنجزت في هذا الإطار أكدت على ضرورة ملاءمته ليكون ممرًا مخصصًا لهذا النوع من النقل الحضري العصري. إلا أن دفتر التحملات الخاص بالمشروع الجديد لم يتضمن أي أثر لهذا التوجه، ما يعني ضمنياً التخلي عن مشروع BHNS في هذا المحور، أو على الأقل تجميده دون أي تبرير رسمي.
هذا القرار يطرح تساؤلات مشروعة حول منطق تدبير الشأن العام بمراكش، خاصة أن المجلس الجماعي اختار الإشراف المباشر على المشروع دون اللجوء إلى Mobility، رغم أنها أُحدثت خصيصاً لتدبير مشاريع النقل والبنيات المرتبطة بها. فهل فقد مسؤولو الجماعة البوصلة التخطيطية؟ وهل أصبح الاشتغال بمنطق “الترقيع” بديلاً عن الرؤية الاستراتيجية المتكاملة التي طالما تغنت بها العمدة وفريقها ؟
إن إعادة تهيئة شارع علال الفاسي دون مراعاة خصوصيته كمسار مبرمج للحافلات عالية الجودة، يكرّس غياب التنسيق بين المصالح الجماعية ومكونات مشروع BHNS، ويطرح علامات استفهام حول مصير باقي الأشطر التي كانت موعودة بتهيئة مماثلة، بما في ذلك شارع آسفي.
في حين أن شركة موبيليتي أوكل اليها مشروع يهم منطقة جليز التاريخية، التي لا علاقة لها بالبنيات التحتية الخاصة بالنقل العمومي السريع، ما يثير الشكوك حول الاختصاصات المسند لشركة موبيليتي.
فهل فقد المجلس الجماعي صوابه حين قرر المضي قدماً في هذا المشروع بهذه الصيغة؟
وهل تخلى فعلياً عن رؤية النقل الجماعي العصري الذي لطالما قدمه كورقة انتخابية رابحة؟
وأين هي شركة Mobility التي تباهت طويلاً خلال دورات المجلس بمشاريع لم ترَ النور بعد ؟
أسئلة مشروعة في انتظار أجوبة شفافة من مجلس يدّعي الشفافية، بينما القرارات الكبرى تُتخذ في صمت، وبملايين الدراهم من المال العام،
تأتي هذه الاختلالات في لحظة دقيقة وحساسة من تاريخ المدينة، حيث تستعد المملكة لاحتضان كأس إفريقيا للأمم مطلع سنة 2026، في أقل من ستة أشهر، وهي تظاهرة قارية كبرى يُنتظر أن تكون مراكش أحد محاورها الأساسية، سواء من حيث البنية التحتية أو الخدمات اللوجستية والتنظيمية.
وما يزيد من أهمية هذه المرحلة أن المدينة ستكون أيضًا من بين الواجهات الرئيسية التي ستُمثل المغرب في الحدث العالمي الأكبر: كأس العالم 2030، إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال.
في ظل هذه الأجندة المكثفة، يحقّ للرأي العام أن يتساءل:
هل سيسعفنا الوقت لإتمام هذه الأشغال في آجال معقولة ووفق رؤية منسجمة؟
وهل بمثل هذه التهيئات المتقطعة والمشاريع غير المكتملة يمكن أن نقدم صورة حضارية تليق بمراكش وتاريخها العريق أمام أنظار العالم؟
الزمن يضغط، والتحديات تتكاثر، ولم يعد في الأمر متّسعٌ لمزيد من الارتجال أو الحسابات السياسوية الضيقة. فالمدينة تستحق أكثر من مجرد “أوراش معزولة”، بل تحتاج إلى مخطط تنموي حقيقي يرتقي بها إلى مستوى الطموحات الوطنية والدولية، ويجعل من كل درهم يُنفق خطوة مدروسة في اتجاه المستقبل.