القصف الإسرائيلي للدوحة لم يكن مجرد حدث عسكري عابر، بل صفعة جديدة على وجه العرب جميعًا، ورسالة بدم بارد تقول إن لا أحد في هذه المنطقة في مأمن ما دام ميزان القوة مختلًا، وما دامت الإرادة العربية مرهونة بغيرها. إنها لحظة تكشف مجددًا أن أمريكا لا تعرف صديقًا ولا شريكًا، بل مصلحتها أولًا وأخيرًا، ومصلحة ابنتها المدللة إسرائيل فوق كل اعتبار.
لقد اعتادت واشنطن أن تبيع للعرب وهم الحماية مقابل المال والولاء، لكنها في كل مرة تُبرهن أن حليفها الحقيقي والوحيد هو الكيان الذي زرعته في قلب المنطقة. كل من يظن أن أمريكا ستقف إلى جانبه ساعة الحقيقة واهم، فهي لا ترى في العواصم العربية سوى أسواق للسلاح وحقول نفط وبيادق تتحرك وفق أجنداتها.
إن مأساة العرب والمسلمين اليوم لا تكمن فقط في عدو خارجي يضرب ويقصف متى شاء، بل في عجز داخلي يتغذى من الاستهلاك والارتهان والتبعية. شعوب تستهلك ولا تنتج، وحكومات تحتمي بالمظلات الغربية وتنفذ تعليماتها حتى لو كان الثمن تدمير أوطانها وتهديد أشقائها. وفي المقابل، الكيان الإسرائيلي يزداد قوة وتفوقًا، بفضل الدعم الأمريكي غير المحدود، وبفضل غياب مشروع عربي وإسلامي مستقل يضع مصلحة الأمة فوق مصالح الكراسي والأنظمة.
{وتلك الأيام نداولها بين الناس} قانون رباني يذكّر أن لا قوة تدوم لمن لا يصنع قوته بيده. أما العرب والمسلمون، وقد اختاروا الاستهلاك بدل الإنتاج، والتبعية بدل الاستقلال، فإن الأيام ستظل تتداول عليهم، حتى يستفيقوا من وهم التحالفات ويواجهوا الحقيقة: لا صديق حقيقي في السياسة الدولية، فقط مصالح عارية، ومصلحة أمريكا اسمها إسرائيل.
إن قصف الدوحة ليس مجرد استهداف لقطر، بل جرس إنذار لكل العرب والمسلمين: لا حصانة بدون قوة حقيقية، ولا أمان تحت عباءة واشنطن، ولا مستقبل لأمة اختارت أن تكون سوقًا بدل أن تكون مصنعًا، وتابعة بدل أن تكون قائدة. وما يملكه العرب والمسلمون في النهاية، للأسف، لا يتجاوز بيانات التنديد والشجب، وكأنها صارت السقف الأقصى للرد على إهانة جديدة واعتداء متكرر.