منذ أسابيع، تحولت زيارات وزير الصحة المتأخرة للمستشفيات العمومية إلى مشهد مكرر: جولات أمام عدسات الكاميرات، تليها قرارات تأديبية سريعة في حق موظفين ومديرين. وكأن اختناق القطاع الصحي العمومي يمكن اختزاله في موظف غائب أو مسؤول متهاون.
لكن خلف هذه القرارات المتسرعة يطفو سؤال أعمق: هل يستهدف الوزير حقاً جذور الأزمة، أم أنه يكتفي بالبحث عن كباش فداء لإخفاء فشل السياسة الصحية؟
فالوضع الكارثي الذي يعيشه المواطنون لم ينفجر من مكتب إداري ضيق، بل من منظومة مهترئة: طوابير الانتظار التي لا تنتهي، مستشفيات تفتقر إلى أبسط التجهيزات، خصاص مهول في الأطباء والممرضين، وأسر تُدفع إلى الشارع لتطالب بحقوقها في العلاج. إن تعليق الفشل على أكتاف موظفين صغار ليس سوى إعادة إنتاج للوهم نفسه: معالجة الأعراض وترك المرض ينخر الجسد.
المفارقة أن الوزير لم يتفقد المستشفيات إلا بعد تصاعد الغضب الشعبي. أما أن ينتظر كل هذا الوقت قبل النزول إلى الميدان، ثم يكتفي بإشهار “سيف العقوبات”، فذلك لا يعدو أن يكون محاولة لتبريد الاحتقان بدل تقديم إصلاح حقيقي.
الحل لا يكمن في توقيف هذا الموظف أو إقالة ذاك المدير، بل في فتح حوار جاد مع الأطباء والممرضين والإطارات المدنية والحقوقية، لوضع رؤية إصلاحية تضع كرامة المواطن في قلب أولوياتها. بدون ذلك، ستظل القرارات الحالية مجرد مسكنات لا توقف النزيف.
الصحة ليست ملفاً تقنياً لتبادل الاتهامات، ولا ساحة للمناورات الإعلامية، بل حق دستوري وأولوية اجتماعية كبرى. وكل تأخير في إصلاح المنظومة هو مغامرة بمزيد من فقدان الثقة، ومزيد من الانفجارات الاجتماعية.