آخر الأخبار

صالح حشاد: الطيار الذي حلق في السماء وصمد في تزمامارت

توفي يوم 13 شتنبر 2025 بمدينة القنيطرة الطيار المغربي صالح حشاد عن عمر ناهز 86 عاماً، مخلفاً وراءه إرثاً استثنائياً يجمع بين الريادة العسكرية وشهادة على أقسى محطات التاريخ الحديث للمغرب.

ولد حشاد في بني ملال سنة 1938، والتحق بالمدرسة العسكرية بمراكش سنة 1957، قبل أن يتلقى تدريبه في فرنسا ويصبح أحد الطيارين المقاتلين الأوائل في المغرب. في الستينات، حلّق على مقاتلات “ميغ” السوفيتية وشارك في استعراضات جوية رسمت بدايات القوة الجوية المغربية، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة ليحترف قيادة طائرات “إف-5”، ليعود إلى قاعدة القنيطرة قائدًا لسرب ومشرفًا على العمليات، حاملًا رسالة جيل كامل من الطيارين المغاربة.

صيف 1972 كان اختبارًا حقيقياً لشجاعة حشاد، حين وضع في قلب محاولة انقلاب الجنرال محمد أوفقير، وشارك في مرافقة الطائرة الملكية العائدة من فرنسا. بعد فشل المحاولة، لم تهتز قواه، لكنه أُجبر على مواجهة تجربة الاعتقال في معتقل تزمامارت، حيث قضى 18 عاماً في ظروف قاسية تركت بصمة على جسده وروحه، قبل أن ينال حريته مطلع التسعينات.

بعد خروجه، لم يختفِ حشاد عن التاريخ، بل اختار أن يوثق شهاداته حول نشأة سلاح الجو الملكي وتجربة السجن، محولاً ألم الاعتقال إلى مادة حية للذاكرة الوطنية، تكشف الوجه الخفي لمرحلة عصيبة وتخلّد ذكريات جيلٍ كامل من الطيارين الذين أسسوا القوة الجوية المغربية.

برحيله يُطوى فصل من سيرة الجيل الأول للقوات الجوية الملكية، جيل حلق من مدرجات مراكش إلى أجواء المعارك، واجه الموت على الأرض وفي السماء، وحمل إرث الوطن في كل رحلة جوية. إرثٌ يختزن قصص الطموح والانكسار والصمود، ويؤكد أن التاريخ لا يُكتب إلا بشجاعة من يجرؤون على التحليق فوق القيود والصعاب.